د.عبدالغني علي السبئي
الثلاثاء 12 فبراير 2019 الساعة 08:53
المحددات الرئيسية لتعزيز بناء السلام وتحقيق التعافي المشترك في اليمن
الملامح الاقتصادية والاجتماعية البارزة في اليمن
شهدت اليمن دورات من العنف والحرب الأهلية منذ أن أصبحت جمهورية في عام 1962م. فعلى مدى السنوات الخمسين الماضية شهدت اليمن دورات من العنف والحرب الأهلية منذ أن أصبحت جمهورية في عام 1962م. اي قبل الوحدة ايضاً شهدت اليمن لعنف اجتماعي مفتوح واضطرابات وحروب أهلية. وعلى الرغم من فترات الاستقرار الإقليمي) النسبي والجزئي، نادرا ما شهدت البلاد غيابا كامل للعنف ويأتي الصراع الحالي ليواصل نفس المسار متسبباً في تفاقم هشاشة المجتمع وتعميق الانقسامات في اليمن نظرا لأبعاده وتأتي دورات العنف في اليمن نتيجة لمزيج من العوامل منها المظالم طويلة الأمد المتمثلة في الاقصاء والتهميش والفساد وسيطرة النخبة على الموارد وثروات البلاد فصلاٌ عن الانقسامات القبلية والإقليمية والمذهبية مؤخرا . فقد ساعد اتساع وانتشار نظام المحسوبية واستغلال الأعراف والاتفاقيات القبلية على تسهيل فترات الاستقرار بقدر ما تم استغلالها لتقسيم البلاد. ولذلك تصارع الدولة اليمنية لإقامة سلطة مركزية قابلة للبقاء تتمتع بشرعية غير مقسمة. ونتيجة لذلك، فإن إنشاء نظام سياسي تعددي في إطار دولة وطنية موحدة يمكن أن يهدئ من الاحتقان والمظالم وتعارض الأهداف بطريقة سلمية ومنظمة ومؤسسية لك يظهر إلا في شرائح وأجزاء من المجتمع. فالمؤسسات الحديثة التي تأسست منذ العام 1962م عندما أقصت اليمن الإمامة وأصبحت جمهورية لم تتمكن من ضمان تكافؤ الفرص والعدالة وسيادة القانون.
عمل اقتصاد النفط والريع الذي وفره على تمويل الاستخدام الغير المستدام للموارد، وقدمت مجموعة متنوعة من حوافز الصراع وأرست الأساس للدوافع التي حركت الأحداث في عام 2011م والتي تعتبر المقدمة التي قادت إلى الصراع الحالي. فقد وفر الاقتصاد النفطي الناشئ منذ أوائل التسعينات الريع ومجموعة أوسع من الخيارات لنظام المحسوبية القائم، مما أدى إلى تعميق العديد من الاختلالات الموجودة سابقا في الاقتصاد وخلق اختلالات جديدة. كما يمكن أن تشمل تلك الأسباب الدعم الكبير المقدم لقطاع الطاقة المملوك للدولة أو الاستخدام غير المستدام للمياه، مثل التوسع الكبير في زراعة القات منذ الثمانينات .وقد أدى الاتجاه العام الناتج إلى مخرجات تنموية مخيبة للآمال.وعلى نفس المنوال، أدت المصالح المكتسبة القائمة منذ أمد بعيد، إلى جانب السيطرة المستمرة على الريع الاقتصادي من جانب القوى والشبكات التقليدية والسياسية، إلى إعاقة وتعقيد الانتقال نحو اقتصاد مدفوع بشكل أكبر بواسطة السوق ونظام حكم أكثر شمولية، وتعميق الانقسامات والمظالم القائمة في المجتمع على التوالي. كما أدى ذلك أيضا إلى إضعاف الثقة في الدولة ومؤسساتها المركزية في توفير الفرص الاقتصادية والنمو الاقتصادي والمساواة في تقاسم السلطة والثروة، إضافة إلى توفير العدالة وسيادة القانون.
يخلف الصراع الحالي آثارا مدمرة على اليمن واليمنيين. حيث فقد نحو 10 آلاف مواطن يمني حياتهم، وأصيب عدد كبير منهم بجروح ويعاني الأطفال بشكل متزايد من سوء التغذية حيث تشير التقديرات إلى أن هناك نحو3.2 مليون طفل مصابين بسوء التغذية. وإضافة إلى ذلك، أدى الصراع إلى تشريد ونزوح أكثر من مليوني مواطن يمني، وتوقفت العديد من الخدمات الاجتماعية (مثل الصحة والتعليم) والخدمات الأساسية مثل الطاقة والتي لم تعد متوفرة فضلا عن توفرها في شكل جزئي في أحسن الأحوال. وقد تعرضت مجموعة متنوعة من البنية التحتية للدمار (مثال في وصعدة وعدن والحديدة وصنعاء وتعز)، وفي بعض المناطق أكثر من غيرها، مما يؤثر سلبا على ظروف المعيشة و الإمدادات والعمليات في البلد بأكمله، الأمر الذي أدى في الآونة الأخيرة الى حدوث مجاعة في البلاد. ولم يعد القطاع المالي قادرا على أداء وظائفه الاقتصادية الداعمة. إن فقدان الثروة الاقتصادية والرفاهية والفرص المتاحة لليمنيين واليمن أكبر بكثير من مجرد الإشارة إلى الدمار المادي الذي لحق بالبنية التحتية. فقد تم تدمير ميزانيات العديد من مشغلي القطاع الخاص، وتحول الإبداع في تنظيم المشاريع التجارية نحو اقتصاد الحرب ودوافعه لتحقيق ربح على المدى القصير. وكل هذا ينعكس جزئيا فقط في الانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي لليمن، والذي تقلص بنسبة 40% منذ عام 2014م. وعلاوة على ذلك، فإن القدرة المؤسسية التي كانت ضعيفة ومشتتة بالفعل قبل الصراع اصبحت أكثر ضعفا ، فالرواتب لم يتم دفعها والموظفين يبحثون عن فرص أخرى للدخل، وتعرضت المؤسسات للصراع ولم يُسمح لها بالعمل، أو انه يُسمح لها بالعمل لكن تحت قيود. ونتيجة لذلك، عانت القدرة المؤسسية في اليمن بطرق يصعب قياسها أو الإلمام بها. وعلى نفس المنوال، وبالنظر إلى المستقبل، فإن تدابير السياسة، مهما كانت جيدة التصميم والإعداد، لا يمكن الاستفادة منها بسهولة على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو أي مجال آخر في البلد في تحقيق التعافي الاجتماعي والاقتصادي
ان معالجة نقاط الضعف هذه و الهشاشة والآمال المحبطة والحقوق واستعادة سبل العيش وإعادة بناء الهياكل الأساسية المادية في البلاد، وخاصة مؤسساته لكسر دائرة العنف في اليمن يجب أن تحتل الصدارة في الأجندة السياسية الوطنية المقترحة لسنوات قادمة. إن هذه المجموعة من المراجعات والمحددات سوف تسهم في هذه الأجندة مع التركيز على المدى القصير إلى المتوسط، أي أول سنتين إلى ثلاث من التعافي وهناك العديد من الاحتياجات التي يمكن تصورها والعديد من نقاط الدخول الممكنة لهذه السلسة وبالاعتماد على الخبرة المكتسبة وعلى التجارب الدولية والدراسات والتقارير والمذكرات ذات الصلة يغطي هذا الجزء : تحديد المحددات الرئيسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وبناء الثقة العامة - مقترحات الاستفادة من قدرات القطاع الخاص في التعافي وخلق فرص العمل - التوصية بشأن أفضل السبل لاستعادة تقديم الخدمات للمواطنين مع التركيز أيضا على الهياكل المؤسسية للمؤسسات التي تقيم شراكات وتتسم بالمشاركة والشفافية، مع الأخذ بعين الاعتبار المستوى المركزي المجزأ للدولة - المراجعة والتحليل النقدي حول أفضل السبل الذي تستطيع من خلالها السلطات اليمنية والشركاء الأجانب في اليمن استخدام الدعم الخارجي لتحقيق التعافي وإعادة الإعمار وأخيرا للتنمية
ان هذه الحلول لا تعتبر حلول جذرية للتحديات التي تواجه اليمن في مرحلة استعادة الاستقرار، وتحقيق التعافي بل هي عبارة عن عرض مقدم للسلطات في اليمن وغيرها من الأطراف المعنية لتوجيه وإثراء النقاش حول التعافي وإعادة الإعمار وربما التنمية في اليمن. وكونها تركز على المدى القصير، أي أول سنتين إلى المتوسط اي اول ثلاث سنوات، فإن الاعتبارات المطبقة تتوقع أيضا وجود تحديات وخيارات ممكنة للمدي الأطول. وهذا الربط، وإن لم يكن دائما واضح أو صريح، ينبع من التجربة والخبرة المتمثلة في أن الحلول المطبقة على المدى القصير إما أن تفتح أو تغلق الخيارات على المدى الطويل. وبما أنه سيتعين على اليمن أن تضع نهجا جديدا تجاه عقدها الاجتماعي للخروج من تاريخها الحديث الذي غلب عليه الصراعات، وهي عملية من المرجح أن تستغرق وقتا ونطوي على المحاولة والخطأ، فإن الطريقة التي يجري من خلالها تنفيذ وتناول التعافي وإعادة الإعمار مع, بمرور الزمن ستؤثر سلبا أو إيجابا على النقاش بشأن العقد الاجتماعي المنقح. ومن المرجح أن يتطور هذا العقد الجديد نتيجة لهذه العملية طويلة الأجل. وباختصار، فإن القرارات المتخذة على المدى القصير ، أي خلال أول سنتين، والمدي المتوسط اي خلال أول ثلاث سنوات سيكون لها آثار فيما يتعلق بجانب السياسات قد تتجاوز فترة السنتين الأولين أو الثلاث السنوات الأولي .
المحددات الرئيسية لتعزيز بناء السلام وتحقيق التعافي المشترك في اليمن
1. إن سرعة استعادة القدرة المالية الأرصدة الاقتصادية يعتبر امرأ أساسيا لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتوفير حوافز للسلام. ولا يمكن تحقيق السلام إذا استمر الاقتصاد في تكبد الصعاب وساد اقتصاد الحرب وبالتالي فإن ترسيخ الاقتصاد وخلق منظور موثوق به للتعافي وإعادة الإعمار سيكون أمرا بالغ الأهمية وسوف تكون الخطوة الأولى هي تحقيق توازن الاقتصاد الكلي وخاصة العناصر الكلية الاقتصادية الخارجية والمحلية. ويتطلب استقرار الاقتصاد الكلي في البداية – بعيدا عن السياسات - استعادة الأرصدة الأساسية للاقتصاد الكلي من خلال: (1) الحد الادنى من احتياطيات النقد الأجنبي للسماح بتغطية تكاليف الواردات والتعافي بما في ذلك تعافي القطاع الخاص (2) والحد لأدنى من الموارد المالية للبدء في إعادة بناء الخدمات العامة والمؤسسات ذات العلاقة وأخيرا الدولة المركزية وتوفير موارد مالية أولية للحكومة اليمينية من شأنها أن تسمح أيضا بدفع المرتبات وتسديد فوائد بعغض المتأخرات الهامة واستئناف تقديم الخدمات3 وعلى وجه الخصوص، فإن إعادة تقديم الخدمات تكتسب أهمية بالغة من أجل استعادة المصداقية في اوساط السكان اليمنيين .
2. ينبغي أن يكون تحرير قدرة القطاع الخاص هو الهدف العام للسياسات العامة للحكومة في اليمن . فاستعادة وظائف الدولة ومؤسساتها والقدرة على تقديم الخدمات يجب أن تكون هي الهداف الرئيسية الشاملة خلال أول ثلاث سنوات. إلا أنه يتعين على الدولة الضعيفة والقطاع العام أن يسعوا إلى تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من قدرات القطاع الخاص و طاقته و كفاءته ووظيفته وهذا يستدعي التركيز على تسهيل نشاط شركات القطاع الخاص كلما أمكن ذلك وينبغي أن يتم توجيه جهود استعادة قدرات مؤسسات الدولة وتحقيق الإستقرار نحو تمكين وتحفيز مشغلي القطاع الخاص الأمر الذي يمكن أن يتحقق من خلال تعافي البنك المركزي ودعم ميزانية المدفوعات للمساعدة في استعادة الواردات باعتبارها العمود الفقري للتعافي وإعادة الإعمار أو المساعدة معن خلال إيجاد مخرج لتسوية المتأخرات المحلية بما في ذلك المتأخرات المستحقة للقطاع المالي إن النهج "الميسر لهذه للدولة بدل من أن يكون عامل لحل جميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مباشرة من شأنه أن يساعد على إعادة تركيز هدف الدولة في الميدان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المتغير في اليمن. وبصفتها ميسر فإن الدولة ستتطور إلى وسيط مركزي لمجموعة متنوعة من الأطراف الفاعلة والمصالح والنهج التنافسية تبشر بالحلول الاجتماعية والاقتصادية بدل من الوضع الراهن الذي يمزج بين السلطات التنظيمية والملكية المباشرة ويفقد الكفاءة والقدرة التنافسية وبالتالي لا يستطيع في النهاية تلبية الطموحات الاجتماعية و الإنمائية في اليمن وعلى المدى المتوسط إلى الطويل فإن هذا النهج سيسمح أيضا بإفساح المجال لإبراز الأصول الإقتصادية الملوكة للدولة أو بتغير دور الدولة "الداعم" في قطاع النفط والغاز.
3 . ليس هناك بديل لستخدام القطاع الخاص كأداة للتغيير والتحسين والتقدم الاقتصادي. ينبغي لا يتم فهم "القطاع الخاص كنهج " اول" خطأ على أنه توصية ذات توجه إيديولوجي، فهو نابع من خلال التجارب السابقة في اليمن حيث خضعت الوظائف الاقتصادية للدولة ودورها العام لمفاوضات سياسية محلية مستمرة مدعومة بالتاجزؤ السياسي (انظر الوضع السابق). كما تم اعتبار الاصول الاقتصادية والامتيازات الاقتصادية والإدارة الاقتصادية بشكل رئيسي كأداة لتحقيق التوازن بين الاهداف السياسية على المدى القصير ومن ثم فإن التركيز في المستقبل على دور "الميسر" للدولة لن يساعد النخبة السياسية في اليمن وكذلك اليمنين إلا في التغلب على القيود التي تحول دون تحقيق أقصى قدر من الفائدة الاقتصادية قصيرة المد (السعي وراء الريع) على حساب المنفعة أو الفائدة الطول الأجل (خلق الثروة). إن خلق فرص العمل والوظائف ورأس المال والثروة المشتركة هي الغرض الذي يجب على الدولة أن تدعمه بخلاف الامن والعدالة. وهنا يعتبر القطاع الخاص هو الاداة السليم، في حين أن فرصة إعادة البدء مع تركيز جديد تتمثل في تعافي وإعادة إعمار اليمن
4 . ينبغي على السلطات اليمنية إرشاد وتوجيه السواق والقطاع الخاص. فمن أجل تمكين القطاع الخاص واستخدام السواق، يجب على الدولة أن تولى القيام بمهام الرقابة والتنظيم، ومن غير المرجح أن يتم القيام بها على الوجه المطلوب نظرا لقلة القدرات والوقت والموارد خلال الثلاثة الأعوام الأولي. ومن هنا سيكون التعاون مع شركاء اليمن وسيلة للمضي قدما . ولن يكون الدعم المالي سوى أحد عناصر حزمة الدعم التي سوف يقدمها الشركاء. ثمة عنصر آخر في هذه الحزمة يتمثل في الإستفادة من الخبرة في مجال التنظيم والقدرات والمخططات الأولية. وسيكون من المستحسن بالنسبة للفترة الأولي أن يتم الاعتماد على مؤسسات قوية (التدقيق، المشتريات المنافسة ،والأطر، التنظيمية والسواق المالية، وما إلى ذلك) المتاحة في المنطقة
5. ثمة عامل بالغ الأهمية بالنسبة للدولة في اليمن كي تخرج من ازمتها الا وهو كسب الثقة والمصداقية في أوساط اليمنيين وفي ضوء تراجع الدور الاقتصادي المباشر للدولة يوصى بكسب الثقة والمصداقية للخروج من خلا احترام التنوع في اليمن بما في ذلك تنوع اهتمامات شرائح المجتمع واختلف ثقافاتها. ومن المؤكد بالنسبة للفترة المبكرة من التعافي أن المجتمعات المحلية ستكون بحاجة إلى الشعور بوجودها ودورها وسماع صوتها كي تتعافى ومرة أخرى تنصح الدولة المركزية بدعم هذه المجتمعات وتمكينها مع مبادراتها. وبما أن الحلول المحلية أو الإقليمية قد لا تكون كافية كحل لجميع مشاكل (السياسة العامة)، فإن مرحلة التعافي المبكر يجب أن تستفيد بأقصى قدر من القدرات والمبادرات التي تم تطويرها على المستوى المحلي أو الإقليمي (المستوى المحلي أولا - أنظر أيضا مذكرة السياسة رقم 4 بشأن تقديم الخدمات الشاملة - البنك الدولي ). ومرة أخرى سوف يكون دور السلطات المركزية ممكنا أكثر من كونه موجها ، حيث الأولوية تكون لاعادة إنشاء الخدمات .
6 إن إعادة بناء نظام الإدارة المالية العامة لا يهم تقديم الخدمات العامة فحسب بل وأيضا لكسب الثقة. تعتبر الإدارة المالية العامة أمرا بالغ الأهمية لكسب الثقة ففي المرحلة الاولى تكون الأولوية لاستعادة سلامة عملية تنفيذ الميزانية (مسيرات الرواتب و المتأخرات وضوابط التنفيذ وإعداد التقارير). وثانيا ، سوف يكون إعداد وإطلاق ميزانية جديدة إشارة على الالتزام بعملية السلام ثالثا ، إن استعادة وتفعيل آلية رئيسية لمراقبة الميزانية تعتبر أمرا أساسيا للحفاظ على الثقة بين الدولة المركزية واليمنين، إضافة إلى أن آلية الرقابة هذه أساسية أيضا لضمان تحقيق الجهود والسياسات العامة الأهداف المحددة
7 ليس هناك مخططا جاهزا لتجديد العقد الاجتماعي في اليمن، بيد أن سماع أصوات اليمنيين والمساءلة تمثل نقطة البداية . فمن الواضح أن العقد الاجتماعي القديم في اليمن فشل بسبب الوضع الراهن من الصراع. وقد طالب اليمنيون في عام 2011م بالمزيد من حرية الرأي والمساءلة وتقدم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني مجموعة واسعة من نقاط الدخول وكذلك قاعدة لاعادة توازن العقد الاجتماعي مع مرور الوقت وفي الوقت نفسه خلق الصراع الحالي ديناميكية مختلفة للغاية لدفع أجندة العقد الاجتماعي في اليمن ومع ذلك فإن الاعتراف بالطبيعة المتنوعة للحكومة اليمنية على امتداد أقاليمها، إضافة إلى منح صوت لتلك المناطق الرئيسية (المدن) سيكون خطوة اولى لإنشاء منصة أكثر رسمية ومؤسسية لإعادة التفاوض ومقايضة الافضليات والموارد والأولويات الإنمائية عبر مجموعة من المصالح. ومن شأن الطلب على المزيد من المساءلة أن يأتي من هذه المنصات أو المؤسسات الممكنة التي تعبر عن المصالح الإقليمية و / أو المحلية وسيتم الوفاء بالعقد الاجتماعي المنقح في اليمن بعد فترة أطول. وتكمن الأهمية في إعطاء الأولوية لإبداء الرأي والمساءلة منذ بدايات التعافي. كما أن فك ارتباط الدولة بشكل متزايد عن المصالح الاقتصادية المباشرة كما هو مقترح أعلاه من شأنه أن يمثل دعما قويا لمثل هذا النهج .
8 . يعتبر أحياء إقتصاد النفط والغاز أمرا بالغ الأهمية لإستعادة الاقتصاد ككل . فعلى الرغم من أن اقتصاد النفط والغاز ليس مهما من ناحية توفير فرص العمل رئيسي، الا أنه يشكل العمود الفقري المالي للاقتصاد اليمنيحيث أن 60% من الموارد المالية و85% من عائدات التصدير كان مصدرها قطاع النفط والغاز قبل عام 2015م . ولذلك فإن إحياء إنتاج النفط والغاز في أقرب وقت ممكن يعد أمرا محوريا لاسباب اقتصادية وسياسية وأخيرا لأسباب إجتماعية. وعلى الرغم من أن قطاع النفط والغاز هو القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة في اليمن الا أن قيمته الإجمالية تأثرت بشكل خطير بالتراجع الحاد في الاسعار العالمية للنفط العالمية منذ عام 2014م (بمقدار النصف) ،كما لا يكفي فقط استعادة الوضع الراهن بل سيتعين تحسين ظروف الاستثمار في القطاع لاحياء دوره الاقتصادي بالكامل وينبغي أن يكون انخفاض قيمته، حافزا للازدهار في المستقبل من أجل زيادة التنويع الاقتصادي. ويمكنالقول إن الحالة المذكورة أعلاه بالنسبة للقطاع الخاص أولا من الممكن أن توفر مسارا أولياً مفيدا
9 . ومن شأن إصلاح إدارة قطاع النفط والغاز مع مرور الوقت أن تمثل عنصرا من عناصر بناء السلام وإضافة لنقاش بشأن العقد الاجتماعي فضل عن المساعدة على توسيع القطاع. إن تقاسم الموارد الطبيعية واستخدامها على نحو أكثر شمولية في اليمن من شأنه أن يدعم بناء السلام فالتقاسم غير الموجه لبعض أرباح النفط والغاز (الدعم) ليس مرضيا ، إذ ينبغي أن يقترن التقاسم بتحسين المساءلة على نطاق واسع في القطاع من أجل تحقيق الشفافية والثقة ومن الافضل أن تأتى المساءلة في حالة اليمن من خلال خلق المزيد من الطلب عليها. كما أن التغلب على الهيكل الإداري الحالي للقطاع من شأنه أن يكون أمرا هاما من أجل إتاحة دور أكبر للقطاع الخاص والمستثمرين الامر الذي سيشكل في حد ذاته مصدرا لمزيد من الطلب على المساءلة وستكون هناك حاجة أيضا إلى إعادة صياغة تعريف الرقابة السياسية والاقتصادية للقطاع عبر مجموعة من المؤسسات القائمة والكيانات والشركات المملوكة للدولة
10 . تتمثل أفضل طريقة لتحقيق استعادة الخدمات وإعادة إعمار البنية التحتية بصورة سريعة في الإستفادة من الحلول المحلية وإعطاء الأفضلية للحلول المقدمة على مستوى المجتمع المحلي . في حين أن مستوى الدولة المركزية سيكون المحرك الرئيسي لتقديم الخدمات من حيث الانظمة الوطنية والمعايير والتمويل وتسهيل البنية التحتية (العامة) إلا أن المستوى المحلي لا يزال هو المحرك لآلية التكيف والتعافي ويتم تعريف المستوى المحلي على نطاق واسع بالاعتماد على حجم ونطاق الخدمة أو البنية التحتية ويمكن أن يختلف من حيث درجة مشاركة المواطنين والتنسيق المؤسسي والاحتياجات من الموارد الأزمة لتقديم الخدمات بصورة فعالة* وخلاف للنموذج الهرمي لهيكل الدولة في هذه الحالة فإن صلاحيات وظائف المركز والمستويات المتوسطة والمحلية والمؤسسات المرتبطة بها في تقديم الخدمات تستند على الإعتماد المتبادل وتتطور بصورة متزايدة ويعترف النهج الجديد بالدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الآليات البديلة - مثل المنظمات المجتمعية والقطاع الخاص - في تقديم الخدمات فاليوم خطى مقدمي الخدمات من القطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي بالفعل ليسد الفراغ الذي خلفه القطاع العام في الخدمات المقدمة في مجال المياه والطاقة والصحة والامن المحلي . ويستلزم النهج الجديد دعم هذه الجهود، وإعادة ضبط جودة الخدمات وتوسيع نطاقها من خلال القطاع العام ومعالجة ضعف سلسلة الإمداد وتعزيز مقدمي الخدمات من القطاع الخاص وتعزيز المساءلة والشمولية في تقديم الخدمات. ويعترف هذا النهج الجديد بمستوى التباين المرتفع بين المحافظات والمجتمعات المحلية فيما يتعلق بدرجة سلطة الدولة وقدرتها ومواردها والثروات الطبيعية وما إلى ذلك والحاجة إلى اعتماد حلول ملائمة للوضع الفريد في كل محافظة وقضاء محلي و/ أو منطقة ضمن إطار شامل لتعزيز قدرة الدولة وفعاليتها.
11 . يجب أن تكون المساعدة الخارجية فعالة من الوهلة الأولي لبناء السلام والتغلب على أسباب الصراع الا من خلال النظم الوطنية وعلى وجه الخصوص يجب أن تعكس ترتيبات التخطيط والتنسيق والتنفيذ التحدي المزدوج المتمثل في توفير مكاسب فورية للسلام والاستجابة الانسانية لليمنين المحتاجين مع تعزيز النظم الوطنية (مثل نظام إدارة المالية العامة) والقدارات الأزمة للقضاء على الفقر وتعزيز الأهداف الإنمائية والمساعدة على بناء السلام وما يزيد من تعقيد هذه التحديات هي حقيقة أن التوقعات ستكون مرتفعة للغاية في حالة ما بعد الصراع مباشرة، وستظل القدرة الاستيعابية محدودة لسنوات قادمة وأن قدرة الحكومة على التنفيذ ستقل بسبب افتقارها المتوقع لمكانية الوصول والشرعية في بعض أجزاء من البلد حتى بعد التوصل إلى اتفاق سلام ممكن . ومع ذلك فإن استعادة النظم الوطنية وتحسينه،ا بما في ذلك تقديم المساعدة الخارجية واستيعابها هي الطريقة المفضلة والاسرع والاكثر فعالية للتغلب على هذه التحديات