أوباما أمام "مشكلة من الجحيم".. ثمن باهظ يفرضه بوتين مقابل تسوية الأزمة السورية
الثلاثاء 16 أغسطس 2016 الساعة 19:58
id="cke_pastebin"> حققت سامانثا باور، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مستشارة السياسة الخارجية للرئيس أوباما منذ فترة طويلة، صيتاً كبيراً بكتابها الذي أصدرته عام 2002 باسم "مشكلة من الجحيم: أميركا وعصر الإبادة الجماعية"، الذي انتقدت فيه الإدارات الأميركية المتعاقبة جراء ردودها غير الكافية على عمليات الإبادة الجماعية منذ الهولوكوست.
 
وبنجاح، لا تخفي السفيرة سامانثا من "مشكلة من الجحيم" تواجه إدارة أوباما في سوريا، وهي تتقلد منصباً رفيعاً في الإدارة الأميركية، حسب مقال نشرته النسخة الأميركية لـ"هافينغتون بوست" لمستشار السياسة الخارجية لحقوق الإنسان، نيل هيكس، الإثنين 15 أغسطس/آب 2016.
 
فقد قادت جلسة علنية بمجلس الأمن في الأمم المُتحدة، الإثنين 8 أغسطس، ركّزت على محنة السكان المدنيين شرق مدينة حلب السورية، الخاضعين لقصف نظام الأسد وحلفائه، الذين يُحرَمُون من إمكانية الوصول إلى الاحتياجات الأساسية كالغذاء والإمدادات الطبية، فأكثر من 300 ألف مدني تحت الحصار منذ أشهر، وتتعرض المستشفيات لعمليات قصف ممنهجة.
 
وأشارت السفيرة لدى مجلس الأمن إلى أن كلاً من جانبي الصراع لن يتمكنا من تحقيق انتصارٍ سريعٍ وحاسمٍ في معركة حلب، مؤكدة أنه "كلما احتدم القتال لفترة أطول يَعلَق عددٌ أكبر من المدنيين في المنتصف".
 
ولدى إدارة أوباما عددٌ قليلٌ من الخيارات في سوريا، حيث تبدو دوافعها في الدعوة لعقد جلسة الأمم المتحدة العامة، وفي المساعدة على نشر الشهادة الصادمة التي يدلي بها أطباء سوريون أميركيون عادوا مؤخراً من مهام علاج المرضى - بما في ذلك العديد من الأطفال الراقدين في أقبية المُستشفى في ظروف يرثى لها، كمحاولة لإلحاق العار بروسيا لإقناع الرئيس الأسد بالتراجع عن أسوأ تجاوزاته الإنسانية.
 
والأمر يبدو كأملٍ مفقود، حيث إن روسيا لديها بعض التأثير على حليفتها حكومة الأسد، التي تدين بالفضل في تحسين فرصتها للبقاء على قيد الحياة إلى الدعم العسكري الروسي.
 
وعلى النقيض مما لدى الولايات المُتحدة الأميركية من نفوذ على حلفائها المفترضين، فإن دعمها للمعارضة بالبلاد يتخذ موقفاً مُتردداً، ففي ظل الضغط الهائل والحرمان من الدعم؛ تعتمد جماعات المُعارضة بشكل متزايد على التعاون مع الجماعات الإسلامية المُتشددة التي يُنظر إليها من قِبل الولايات المُتحدة باعتبارها إرهابية ، كما تُستثنى من الحماية بموجب اتفاقيات وقف القتال التي يتم التفاوض عليها مع الروس.
 
إنه لواقع مؤلم أن حكومة الأسد، المسؤولة عن الغالبية العظمى من الأعمال الوحشية الجماعية وجرائم حقوق الإنسان في الحرب، في وضع يمكِّنها من تحديد مستوى الصراع في حلب وأجزاء أخرى من سوريا.
 
 
ثمن تفادي الأزمة الإنسانية
 
فإذا أرادت الولايات المتحدة تفادي أزمة إنسانية أكبر في حلب، وتفادي تشريد المزيد من اللاجئين الذين تقدر أعدادهم بمئات الآلاف إلى الدول المجاورة التي امتلأت بهم بالفعل، وإلى أوروبا التي تواجه بالفعل اضطرابات سياسية ناجمة عن الهجرة من الشرق الأوسط، سيتم تحديد ثمن ذلك من قبل روسيا.
 
ومن المرجح أن يشمل الثمن قبول الولايات المتحدة ببقاء الرئيس الأسد في السلطة؛ فروسيا ستُبقِي على الحكومة الصديقة في دمشق، وستدخل إلى قواعد البلاد البحرية في طرطوس، كما سيرضي ذلك بوتين بإجبار أوباما على التراجع عن تصريحه بأن على الرئيس الأسد ترك منصبه.
 
ولعل الأكثر أهمية في الأمر لدى بوتين، هو تحقيق تغيير عام بمسار دعم الولايات المُتحدة للاحتجاجات الشعبية ضد الحكام الفاسدين المُستبدين.
 
فلا توجد سياسة أكثر تهديداً لأداء بوتين السلطوي للحكم من دعم الولايات المتحدة للديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. ولا يفوِّت المسؤولون الروس أية فرصة لتقويض تلك السياسات والتشكيك فيها. وفي ظل معركة أيديولوجية عالمية؛ يبدو أن الولايات المُتحدة تتراجع أكثر مما ينبغي.
 
وكتبت السفيرة في كتابها الصادر عام 2002 عن قادة الولايات المُتحدة أنهم "يعتقدون أن الإبادة الجماعية كانت شيئاً خاطئاً؛ ولكنهم ليسوا مُستعدين لاستثمار رأس المال العسكري أوالاقتصادي أوالدبلوماسي أوالسياسي المحلي الذي يتطلبه إيقاف الأمر".
 
 
محنة المدنيين
 
وبتنحية التساؤل بشأن ما إذا كان الوضع في حلب وفي سوريا على نطاق أوسع يمثل جريمة إبادة جماعية أو لا؛ فلا يوجد ثمة شك بأن المحنة المروعة للمدنيين المُستهدفين بالقصف، والمعرضين للتجويع القسري، والحرمان من الإمدادات الطبية الأساسية، تعتبر شيئاً وصفه كبار القادة الأميركيين، بما فيهم الرئيس باراك أوباما، باعتباره خطأ عميقًا.
 
وللأسف، من الحقيقي أيضاً أن الإدارة الأميركية لم تستعد في أي مرحلة من مراحل الصراع السوري "لاستثمار رأس المال العسكري أوالاقتصادي أوالدبلوماسي أوالسياسي المحلي الذي يتطلبه إيقاف الأمر".
 
وكانت رسالة سامانثا في عام 2002 أنه طالما ظل قادة الولايات المُتحدة على استعداد للوقوف في "موضع المتفرج إزاء الإبادة الجماعية" فإن الإبادات الجماعية ستتكرر.
 
وتلك المُشكلة الجحيمية في حلب، التي تنكشف الآن على مرآى من السفيرة سامانثا، تبيّن أن العادات الراسخة في مؤسسة السياسة الخارجية للولايات المُتحدة الأميركية لم تتغير، فربما أنها تفهم الأمر أكثر من أي شخص آخر، ومن الحقيقي أنه هي وغيرها من القادة الذين دخلوا إلى الحياة العامة، عزموا على تحدي مثل هذه اللامبالاة ولم يتمكنوا تجنب الكارثة.
 
في المقابل؛ يعد الثمن الذي يفرضه بوتين مقابل تسوية سوريا مرتفعاً جداً، ولا ينبغي على الولايات المُتحدة الرضوخ لدفعه.
 
والطريق الوحيد الذي بإمكانه تجنب الهزيمة المدمرة للقيم العالمية بقبول شروط بوتين في سوريا سيمثل في النهاية باستثمار رأس المال العسكري والاقتصادي والدبلوماسي والسياسي المحلي الذي من شأنه تحقيق حل أفضل، فهل ثمة استعداد؟ هذا على الأرجح هو السؤال الذي ستضطر الإدارة القادمة أن تجيب عنه.