انتهيت من قراءة كتاب ( من كوبنهاجن الى صنعاء ) في فترة قياسية وجيزة ربما بسبب الاحداث المتسارعه اثارت فضولي لمعرفة بقية التفاصيل والوصول الى نهاية الكتاب باسرع وقت ممكن .
الاحداث الاخيرة التي تعرض لها اعضاء البعثة الدنمراكية كانت ماسأوية فقد اصيبوا بالملاريا وحصدت ارواحهم الواحد تلو الاخر فقد توفي اولهم في المخأ ثم الثاني لحق بزميله بفترة قصيرة في مدينة يريم ثم توفي اثنان منهم في عرض البحر فوق السفينة التي غادروا اليمن عبرها عن طريق المخأ في طريقهم الى الهند حيث توفي الخامس في بومباي ولم يتبق الا شخص واحد من افراد البعثة الستة الذي عاد وحيدا الى الدنمراك ربما ليكون شاهدا على احداث اول بعثة اوروبية الى بلاد العربية السعيدة وينقل الينا تفاصيل تلك الرحلة المثيرة الرائعه والمحزنه والماسأوية في نفس الوقت .
وبالرغم أن بداية وصولهم الى اليمن كانت مصدر سعادة وارتياح لديهم لما لاقوه من كرم ضيافة وحسن استقبال من حاكم اللحية الذي كان مضيافا بصورة نادرة لابعد الحدود لكن الحال تغير عند وصولهم المخأ فقد كان حاكم المخأ مصدر امتهان وابتزاز للبعثة من اجل الحصول على اموال منهم مقابل السماح لهم بالبقاء في المخأ ضيوفا لفترة نقاهه بعد اصابتهم بالملاريا في بيت الفقية فلم يكونوا في حال تسمح بالابتزاز واللاهانة ولكنه لم يتغير معهم الابعد حصوله على مبتغاه .
ثم تكرر هذا الاسلوب من حاكم تعز لولا تدخل قاضي المدينة وتكرر بشكل اسوء في مدينة يريم وكان حاكمها واهل مدينته اسوء من عكس صورة عن اليمن وكيفية استقبالهم للغريب وتعاملهم المشين مع الضيوف الغرباء .
ولكن الوضع تغير عند وصولهم بعد عناء الى صنعاء فقد استقبلهم حاكم اليمن في تلك الفترة ( الامام المهدي عباس بن الحسين بن القاسم ) خير استقبال واكرمهم واحسن ضيافتهم واغدق عليهم بالهدايا والمسكن والمأكل والملبس وسمح لهم بالبقاء في صنعاء والتجول في شوارعها واسواقها بكل راحة وحرية ولكنهم لم يكونوا في حاله صحية ولا نفسية تسمح لهم بالبقاء طويلا في صنعاء رغم انها كانت رغبتهم الشديدة عند وصولهم الى اليمن لكن وفاة اثنين من افراد البعثة قبل وصولهم الى صنعاء دفعهم الى سرعة مغادرة صنعاء ومغادرة اليمن قبل اكمال ماكانوا يريدون اكماله .
وبالرغم من أن وصفهم لصنعاء واسواقها لم يكن بنفس اسلوب وتفاصيل وصفهم للمدن الاخرى التي وصولوا اليها في بداية رحلتهم لكن هذا الوصف المقتضب لصنعاء يعكس لنا صورة ولو بسيطة عن فترة ازدهار كانت تعيشها اليمن عموما وصنعاء خصوصا اقتصاديا وزراعيا فقد احصى افراد البعثة مايزيد عن عشرون صنفا من العنب متواجدة في سوق صنعاء وكذلك اصناف من الخضروات والفواكة والمشغولات اليدوية والحرفية المتعدده .
وفي المذكرات التي كتبها اخر افراد البعثة الذي وصل وحيدا للدنمارك دون رفاق وصف اليمن في تلك المذكرات وصف المعجب والمندهش والمتأمل وذكر بعض ماتمتاز به بلاد العربية السعيدة من مناخ متنوع وجغرافيا فريدة ونباتات نادرة وحتى تركيبة سكانية متنوعة تتوزع بين الريف والحضر والسهل والجبل وكان تركيزة على ( البُن ) الذي شاهد مدرجاته في مناطق عديدة من الاماكن التي مر بها وكيف كانت قوافل الجمال تحمل كميات كبيرة لغرض تصديرها الى العديد من بقاع العالم الى جوار بعض المنتجات الاخرى مثل البخور واللبان وحتى حبوب الذرة والقمح والمواشي ايضا .
كانت تلك الرحلة في عام 1761 ميلادية قبل حوالي 260 سنة وقد كان ميناء المخأ من اكبر وانشط المؤاني في تلك الفترة وكانت حركة السفن الواصلة والمغادرة لاتتوقف طوال العام وكانت المخأ مدينة متكامله فيها محلات تجارية ومقاهي ومساكن وحتى مقبرة خاصة بالاوربيين .
وفي المرتبة الثانية كانت ميناء ( اللحية ) تحتل مكانة مرموقة وحركة تجارية نشطة لاتقل في اهميتها عن مدينة وميناء المخاء .
ومايبعث بالنفس حسرة وحزن أن مقارنة بسيطة بين اليمن في القرن الثامن عشر قبل اكثر من مائتي عام واليمن في القرن العشرين قبل خمسون او ستون عام تعتبر مقارنة لايمكن تصديقها او تقبلها فقد تراجعت اليمن الالاف الخطوات للوراء واغلق الامام يحي عليها بالاقفال وغمسها في الجهل والفقر والمرض والظلام الذي لازلنا نعاني آثاره حتى اليوم .
#أبومعاذ_نزار
( الصورة للناجي الوحيد من افراد البعثة ( نيبور ) مرتديا الملابس اليمنية التي اهداها له الامام المهدي عباس بن القاسم )