هل خذلت السعودية والإمارات الحكومة اليمنية بشأن أزمة غريفيث ومسرحية الإنسحاب الأحادي من الموانئ؟
الاربعاء 12 يونيو 2019 الساعة 10:44

تبنى مجلس الأمن، بإجماع أعضائه الـ15، صباح أمس الثلاثاء مشروع بيان رئاسي تقدمت به بريطانيا، لدعم مواطنها مارتن غريفيث مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص لليمن، والذي تتهمه الحكومة اليمنية بالانحياز للحوثيين وإجراءاتهم الشكلية في موانئ الحديدة.

وجاء صدور البيان، بعد ساعات من لقاء جمع الرئيس هادي ونائبه ورئيس الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار، مع مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، أعلنت الرئاسة أنه كان مثمراً وأن الأمم المتحدة قدمت خلاله ضمانات بالتزام مبعوثها إلى اليمن، بالمرجعيات الثلاث، وتنفيذ اتفاق الحديدة وفق القرارات الدولية والقانون اليمني.

اقراء ايضاً :

وأعتبر بيان مجلس الأمن، إعادة انتشار الحوثيين الاحادية من موانئ الحديدة، والتي ترفضها الحكومة وتصفها بالمسرحية الهزيلة، "تقدم إيجابي هو الأول نحو تنفيذ اتفاق الحديدة، مطالباً بالانتقال للخطوات التالية، والتعاون مع المبعوث الأممي من أجل الوصول إلى مشاورات تمهد لسلام دائم في اليمن.

البيان الرئاسي قوض أي نتائج إيجابية يمكن القول إنها نتجت عن مباحثات الرئيس مع مبعوثة الأمين العام، والتي وصلت الرياض لمناقشة الملاحظات التي تضمنتها رسالة الرئيس بخصوص تجاوزات غريفيث، وتحفظات الحكومة (المعترف بها) على الإجراءات المخالفة لاتفاق السويد والمرجعيات والثوابت والقرارات الأممية ذات الصلة بالأزمة اليمنية.

ولم تؤكد الأمم المتحدة أو تنفي ما اوردته وكالة سبأ الحكومية، على لسان مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو، والتي أكدت التزام الأمم المتحدة وسعيها لتحقيق السلام "وفق المرجعيات الثلاث المتمثلة بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الأممية ذات الصلة (..) وتنفيذ اتفاق السويد وفقاً للمفهوم القانوني وقرارات مجلس الأمن".

وذكرت الوكالة أن مبعوثة الأمين العام أكدت ايضاً "أهمية الرقابة والتحقق الثلاثية في أي عمليات انتشار وعلى احترام مسارات السلطة القانونية وإزالة العوائق أمامها وفقا لاتفاق استكهولم".

وتتهم الحكومة اليمنية، مارتن غريفيث، بتجاوز المرجعيات الثلاثة المتمثلة بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الأممية ذات الصلة، ومحاولة تجزئة اتفاق السويد، وتنفيذه بما يتوافق مع تفسيرات الحوثيين، ويخالف المفهوم القانوني وقرارات مجلس الأمن".

وتضمنت اتهامات الحكومة لغريفيث -ايضاً - الالتفاف على نصوص الاتفاق، والرقابة الثلاثية لأي عملية انتشار، وتسلم القوات القانونية، مهام الموانئ والمدينة بعد انسحاب الحوثيين، وجميع الاتهامات والملاحظات التي أوردها الرئيس في رسالته، أكدت الوكالة الحكومية أن الأمم المتحدة، تعهدت عبر مساعدة الأمين العام ديكارلو بتنفيذها وإلزام المبعوث الأممي بالعمل في إطارها.

لكن لا يبدوا أن يحدث ذلك أي تغير قريب في المشهد العام بموانئ الحديدة، التي يطالب الحوثيين الأمم المتحدة بإدارتها وتشغيل نظام التفتيش والرقابة، بعد وفائهم بالتزاماتهم في ما يتعلق بإعادة الانتشار من الموانئ وإنهاء المظاهر المسلحة بمحيطها.

تحشيد بريطاني
ليس مفاجئاً الموقف البريطاني الداعم والمساند لغريفيث، والساعي لشرعنة الانسحاب الصوري الذي أعلن الحوثيون بموجبه خروج قواتهم المسلحة من الموانئ الثلاثة في الحديدة، وتسليمها لقوات أخرى تابعة لهم ترتدي زي قوات "خفر السواحل"، على اعتبار أن ما تم هو تنفيذ للمرحلة الأولى من إعادة الانتشار وفق اتفاق السويد.

حيث سارع وزير خارجيتها جيرمي هنت، عقب ساعات من إعلان الحوثيين والأمم المتحدة، استكمال عملية إعادة انتشار الأحادية في موانئ الحديدة، بالترحيب بالخطوة، واعتبرها في تغريدة على حسابه بتويتر "بداية لنهاية أسوأ ازمة إنسانية في العالم".

وهاجم السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، الرفض الشعبي وشبه الرسمي لمسرحية إعادة الانتشار الاحادية، وغرد على حسابه بتويتر –حينها- "يبدو أن المتهكمين اليمنيين الذين ينتقدون كل ما يفعله الطرف الآخر (أي الحوثيين) حتى لو كان إيجابياً (في إشارة إلى مزاعم الحوثيين بالانسحاب من موانئ الحديدة)، يقولون إن الأمم المتحدة ساذجة وإن الحل الوحيد هو الحرب الدائمة في اليمن".

ورغم تراجع آرون، واعتذاره عن التغريدة لاحقاً، إلا أن لندن وحضورها في المشهد اليمني، أصبح مرتبطاً بالحوثيين ودعماً رسمياً لسلطة الأمر الواقع التي يفرضونها على مناطق واسعة وسط وشمال وغرب اليمن، إضافة إلى ارتباط الموقف البريطاني بالدور الإقليمي لإيران كراعي للمليشيات وحليفها الاستراتيجي في المنطقة.

وما زالت حملات المطالبة بطرد السفير البريطاني، وإنهاء مهمة مواطنه غريفيث، مستمرة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وكانت حاضرة في حديث الرئيس، خلال لقائه مع روزماري ديكارلو، وتجديده الاتهام لغريفيث بالتماهي مع مسرحية الحوثيين في الحديدة، والذي "خلق ضغطاً ورفضاً شعبياً ووطنياً من كافة المكونات والمؤسسات الحكومية وقبل ذلك من فريقنا الحكومي المشارك في تنفيذ ذلك الاتفاق على الأرض".

ومنذ اتفاق السويد الذي أبرم في 13 ديسمبر العام الماضي، كان لافت حضور جريمي هنت للمشاورات، ومن حينها وبريطانيا تمسك بزمام الملف اليمني في مجلس الأمن والمحافل الدولية الأخرى، لكن الغريب وفق مراقبين، تراجع دور التحالف العربي، خصوصاً السعودية والإمارات، وتماهي مواقفهما مع الدور البريطاني الذي يعزز استمرارية سيطرة الحوثيين على موانئ الحديدة مع حضور شكلي للأمم المتحدة هناك.

موقف سعودي داعم لغريفيث
قالت مجموعة الأزمات الدولية، إن المسؤولين السعوديين والإماراتيين، تعاملوا بإيجابيه وعلى نطاق واسع، مع إعادة الانتشار الأحادية التي أعلنتها الأمم المتحدة والحوثيين.

وأضافت المجموعة في تقريرها الأخير -أطلع عليه المصدر أونلاين- أن مواقف السعودية والإمارات من الانسحاب الأحادي للحوثيين، إيجابي، على عكس الحكومة اليمنية التي رفضت الخطوة، ووصفتها بالمسرحية.

أشار التقرير إلى تصريحات المسؤولين السعوديين والإماراتيين، والذين اقتصر في منتصف مايو الماضي، على التحذير من تصاعد الهجمات الحوثية على الحدود السعودية، واعتبار ذلك التصعيد يقوض محاولات تنفيذ اتفاق ستوكهولم، في إشارة إلى إعادة الانتشار الأحادية التي تزامنت مع هجمات حوثية استهدفت منشآت نفطية وخطوط نقل النفط في السعودية.

ولم يتضمن مؤتمر صحفي عقده ناطق التحالف العربي تركي المالكي، بعد ايام من إعلان الحوثيين والأمم المتحدة الأحادي في الموانئ، جمل صريحة برفض إعادة الانتشار الاحادية، واقتصر حديثه على اتهام الحوثيين بالمماطلة وعدم الجدية في تنفيذ اتفاق الحديدة، واستمرار ارتكاب الخروقات للتهدئة، وطالب المالكي –حينها- الأمم المتحدة بالمزيد من الضغوط لتنفيذ اتفاق السويد.

وأعلنت الأمم المتحدة يوم الإثنين، دعم السعودية لمبعوثها الخاص في اليمن مارتن غريفيث.

وأكدت المتحدثة باسم الأمم المتحدة "إيري كانيكو" خلال مؤتمر صحافي في نيويورك أنّ وزير الخارجية السعودي ابراهيم العسّاف والأمين العام المساعد لمجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية والمفاوضات عبد العزيز حمد العويشق “عبّرا كلاهما عن دعمهما للعمل الذي تقوم به الأمم المتحدة في اليمن وللجهود التي يبذلها المبعوث” غريفيث لإنهاء النزاع الدائر في هذا البلد.

وأوضحت المتحدّثة أنّ هذا الموقف عبّر عنه المسؤولان السعوديان خلال لقائهما في الرياض يوم الإثنين مساعدة الأمين العام للأمم المتّحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو في اليوم الاول من الزيارة التي قامت بها إلى المملكة.

وجاء التأكيد السعودي لغريفيث، معاكساً للتحفظ الحكومي اليمني ورفض الرئيس المستمر لأي تعاطي معه، دون ضمانات.

بعد تأكد الدعم السعودي لتوجه الأمم المتحدة ومبعوثها في الحديدة، صدر عن أعلى مؤسسة فيها (مجلس الأمن) بيان يؤكد دعم غريفيث، وشرعية الانتشار الاحادي الذي رعاه في موانئ الحديدة، واعتباره خطوة إيجابية.

وعشية ذلك، كان لقاء الرئيس هادي، كتحصيل حاصل فقط، إذا لم تتراجع الأمم المتحدة عن دعم الخطوة الاحادية، فالسعودية -كما يقول منتقدو الشرعية- تتحكم بتوجهات الحكومة اليمنية بشكل كامل.

الإمارات تؤكد ثقتها في الأمم المتحدة
وسبق أن اعلنت الإمارات العربية المتحدة، بأنها واثقة بشكل كبير في الأمم المتحدة، ومبعوثها الأممي مارتن غريفيث.

جاء ذلك على لسان الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في مقابلة مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية الناطقة بالانجليزية، مطلع الاسبوع الجاري.

قال قرقاش في الحوار، إن الجهود التي بذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث لوقف الانزلاق في الكارثة تحدث أخيراً فرقاً وتستحق الدعم، (في إشارة إلى انسحاب الحوثيين الشكلي من الموانئ).

ووفقاً لحديث قرقاش، فبعد ستة أشهر من توقيع الحكومة اليمنية وخصومها الحوثيين على اتفاقية ستوكهولم، يتمتع السيد جريفيث بفرصة للتغلب على الانقسامات المريرة في البلاد.

وأضاف "ما زلت أشعر أن اتفاق ستوكهولم هو في الأساس إطار عمل يمكننا العمل به". ما زلت أشعر أن مارتن جريفيث يحافظ على قوة الدفع. البدائل قاتمة للغاية - إذا تعطلت هذه العملية، فسوف يستغرقنا عاماً أو عامين لمجرد التجمع إلى عملية جديدة".

وأكد الوزير الإماراتي ثقة بلاده في عملية الأمم المتحدة، "لدينا ثقة في مبعوث الأمم المتحدة. لا يتعين علينا أن نتعرف على كل خطوة يتخذها، لكننا نعتقد أن الزخم يحتاج إلى الصبر".

ويمثل التعاطي الإماراتي السعودي، الإيجابي من مسرحية الحوثيين في الموانئ، والموقف السلبي من أزمة الحكومة الشرعية، مع الأمم المتحدة، (أزمة غريفيث)، موقفاً مخيباً للأمال، على المستوى الشعبي على الاقل

وبالنسبة لرأي قيادة الحكومة، فليس من الوارد أن يصدر عن مسؤوليها أي انتقادات أو تصريحات، لا تتوافق مع توجه الدولتين اللتين تقودان تحالفاً عسكرياً منذ أربع سنوات في اليمن، لكن تلك الأهداف، التي انطلق التحالف من أجلها، تتراجع لصالح مشاريع مستقبلية وأجندة خاصة باتت مصدر قلق شعبي ومؤشر لصراعات قد يطول أمدها وإن تغيرت تسمياتها.