عشرة أيام تفصلنا عن “ساعة الصفر” لاي حرب “متوقعة” في المنطقة..
خامنئي اكد ان تشديد العقوبات الامريكية لن يكون بدون رد..
وروحاني وجه سهام هجومه على السعودية والامارات.. هناك اربعة احتمالات للرد الإيراني.. ما هي؟
بدأ العد التنازلي لساعة الصفر، ولم يعد يفصلنا عن يوم الثاني من آيار (مايو) المقبل حيث من المفترض ان تطبق المرحلة الثانية والأكثر تشددا من العقوبات الامريكية المفروضة على ايران غير عشرة أيام على الأكثر.
إدارة الرئيس ترامب تريد وقف كلي للصادرات النفطية الإيرانية التي تقدر بحوالي 1.7 مليون برميل يوميا حسب إحصاءات شهر آذار (مارس) الماضي، ورفعت الإعفاءات التي كانت تقدمها لثماني دول أبرزها الصين والهند وتركيا واليابان، ومعظم هذه الدول، خاصة الصين، رفضت هذه العقوبات، وايدتها روسيا، وقالت انها ستؤدي الى تفاقم الاضطرابات ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط، وانما أسواق الطاقة العالمية.
السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، أكد ان تشديد العقوبات الامريكية لن يمر دون رد، وذلك في تغريدة نشرها على حسابه على “التويتر” باللغة الإنكليزية، في رسالة واضحة للرئيس ترامب، وقال “هذا العدوان لن يبقى دون رد والأمة الإيرانية لن تقف مكتوفة الايدي في مواجهة هذا الحقد الأمريكي”.
الرئيس حسن روحاني وجه سهامه الى المملكة العربية السعودية والامارات اللتين ستعوضان غياب النفط الإيراني في الأسواق العالمية، وقال ان الدولتين تدينان بوجودهما لإيران التي رفضت دعم خطط للرئيس العراقي صدام حسين بغزوهما عام 1990، وقال ان الدولتين اصبحتا عدوين للشعب الإيراني بتأييدهما للخطوة الامريكية، اما السيد جواد ظريف وزير الخارجية الذي يزور نيويورك حاليا فقال “على الولايات المتحدة ان تعلم انها اذا ارادت دخول مضيق هرمز فعليها التحدث الى من يحميه وهم الحرس الثوري”.
***
لم يفصح السيد خامنئي، ولا الرئيس روحاني، عن طبيعة الرد الإيراني الانتقامي في حال جرى منع صادرات نفط ايران الذي يشكل عوائده حوالي 44 بالمئة من اجمالي عائدات الدولة الإيرانية، مما يعني كارثة اقتصادية كبرى، ولكننا يمكن ان نتكهن بإحتمالات الرد الإيراني على الشكل التالي:
أولا: اغلاق مضيق هرمز ومنع مرور حوالي 18 مليون برميل من صادرات السعودية والكويت والامارات والعراق عبره، واكد الجنرال علي رضا تنكسيري قائد سلاح البحرية في الحرس الثوري الإيراني بأن جيش بلاده سيغلق هذا المضيق اذا جرى منع تصدير النفط الإيراني.
ثانيا: الانسحاب رسميا من الاتفاق النووي، والعودة الى عمليات التخصيب لليورانيوم وبمعدلات مرتفعة تؤدي الى بناء ترسانة نووية عسكرية.
ثالثا: اطلاق يد الحرس الثوري الإيراني، والفصائل العراقية والسورية واللبنانية (حزب الله)، والفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) المتحالفة معه، لشن هجمات ضد اهداف أمريكية وإسرائيلية في مختلف ارجاء المنطقة وربما العالم أيضا.
رابعا: محاولة اغلاق مضيق باب المندب في مدخل البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية عبرة في خلال تنفيذ حركة “انصار الله” الحوثية “الحليفة” هجمات ضد سفن أمريكية وإسرائيلية.
ترامب يقول بأن مضيق هرمز ممر دولي يجب ان يظل حرا ومتاحا لكل الجهات التي تستخدمه، وان اغلاقه يشكل اختراقا للقانون الدولي، فهل فرضه عقوبات تجويعية أحادية الجانب على ثمانين مليون إيراني لا يتعارض مع هذا القانون؟
ايران دولة مؤسسات، مثلما هي دولة تملك خبرات وعقول استراتيجية كبرى في شتى المجالات، وفوق هذا وذاك ارثا حضاريا ضخما، وترسانة عسكرية ذاتية الصنع في معظمها، ولا نعتقد انها سترفع الاعلام البيضاء في وجه اعلان الحرب الأمريكي هذا الذي يريد تفويض نظام حكمها، ونشر الفوضى في أراضيها، وتهديد وحدتيها الجغرافية والديمغرافية، وتجويع شعبها.
تعيين الجنرال حسين سلامي قائدا للحرس الثوري الإيراني في اليوم الذي اعلن فيه مايك بومبيو رفع الإعفاءات عن ثماني دول تستورد النفط الإيراني، يعني ان هناك خطة واضحة للرد، فالجنرال سلامي محسوب على جناح الصقور الذي بات يملك اليد العليا في دائرة اتخاذ القرار في طهران، وهدد اكثر من مرة بمحو إسرائيل من الخريطة اذا ما اعتدت على ايران، ونصح الإسرائيليين بتعلم السباحة للهرب عبر البحر المتوسط للنجاة مما هو قادم.
هناك العديد من الأهداف الامريكية التي يمكن ان يستهدفها الحرس الثوري في المنطقة، ابرزها اكثر من 5500 جندي وثلاثين قاعدة عسكرية امريكية في العراق، وحوالي 2000 جندي امريكي شمال وشرق سورية، والعديد من القواعد الجوية والبحرية الامريكية في الكويت والعراق وقطر والامارات والبحرين، وأخرى غير رسمية معلنه في السعودية، ومن غير المستبعد ان تكون هذه القواعد وجنودها هدفا لهجمات في حال صدر القرار بالتحرك او اشتعل فتيل الحرب.
ترامب يقود العالم الى حرب كارثية، الفائز الأكبر فيها “أعداء” بلاده، وخاصة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لان هذه الحرب سترفع أسعار النفط (ارتفعت 44 بالمئة منذ بداية العام، ووصلت الى 65 دولارا في المتوسط)، وكل دولار زيادة يعني دخول 4 مليارات دولار على الخزينة الروسية (روسيا تنتج 11 مليون برميل يوميا)، والترجمة العملية لهذه الأرقام هو امتصاص الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية الامريكية المفروضة على موسكو بعد ضمها شبه جزيرة القرم.
اما الخاسر الأكبر فسيكون العرب، والمملكة العربية السعودية والامارات تحديدا لوقوفهما في الخندق الأمريكي بشكل مباشر بتعهدهما بتعويض أي غياب للنفط الإيراني، الى جانب دول غرب أوروبا التي تستهلك 13 مليون برميل يوميا، وربما يصل سعر البرميل مئة دولار على الأقل من جراء هذه الازمة مما سينعكس سلبا على اقتصادها.
***
الرئيس ترامب بات “دمية” في يد إسرائيل واللوبي الداعم لها في الولايات المتحدة، واي حرب ستشتعل في المنطقة، الهدف منها هو تتويجها زعيمة ابدية لها، تتحكم في المنطقة، وتقيم دولتها من النيل الى الفرات على معظم اراضيها (إسرائيل الكبرى)، ويصبح الحكام العرب مجرد “نواطير” وقادة مجالس بلدية يتحركون بتعليمات واملاءات نتنياهو، او من سيأتي بعده، ولهذه الأسباب تأجل كشف النقاب عن “صفقة القرن” التي وضع نتنياهو خطوطها العريضة، وعين جاريد كوشنر صهر الرئيس لتسويقها لبعض الدول العربية، حتى شهر حزيران (يونيو) المقبل، أي بعد انتهاء المواجهة المحتملة.
ممنوع ان تتعافى سورية، وممنوع ان يمتلك “حزب الله” بزعامة السيد نصر الله 150 الف صاروخ يمكن ان تهدد الدولة العبرية، وتحقق الردع، وتبث الرعب في أوساط مستوطنيها اليهود.
إسرائيل ودميتها ترامب، وبعض حلفائهما الحكام العرب، هم الذين يريدون هذه الحرب، ويقرعون طبولها، وعليهم تحمل كل النتائج التي ستترتب عليها، ونجزم بأنهم سيكونون المهزومين فيها.. وليس لدى هذه الامة ما تخسره بعد ان وصلت الى قاع القاع من الاهانات والاذلال.. والأيام بيننا.
مقال للكاتب : عبدالباري عطوان – رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم