هولاء الخمسة الذين يتحكمون بمستقبل العالم ليس بينهم بوتين ولا ترامب
السبت 30 مارس 2019 الساعة 06:31

المستقبل.. تلك الكلمة التي لا يمكن تصور أخرى تشغل بال الناس أكثر منها، ما الذي يخبئه لنا ذلك المجهول؟ كيف نتعرف إليه قبل أن يدهمنا على حين غرة؟ كيف نفسِّره ونحدده انطلاقاً من الحاضر، وإمكانيات تطورات الحياة فيه؟.

تلك أسئلة يمكن لأي شخص أن يطرحها، لكن ثمة تفاوت في الإجابات عنها تبعاً لعمق التحليل الراصد لتطورات الواقع من حولنا، وتبعاً لمدى الإحاطة بأحدث المعلومات المتوفرة في مجالات عديدة كالعلوم، والطب، والإلكترونيات، والذكاء الاصطناعي، والفيزياء وغيرها، ذلك ما يقرره معظم الباحثين في المستقبليات وتطور الحياة فيها، لكن البعض يفضل دراسة التطور المستقبلي من خلال زاوية أخرى تبدو أكثر ارتباطاً بالواقع، وهي كيفية تفاعل الإنسان مع التكنولوجيا وتطوراتها؛ لأن ذلك بالضبط هو ما يصنع شروط الحياة وشكلها، فلا معنى لتفسير الحياة مطلقاً دون المرور على دور الإنسان فيها.

كتاب «ملفات المستقبل.. موجز في تاريخ السنوات الخمسين المقبلة» للكاتب والباحث الإنجليزي وأستاذ الاستبصار التكنولوجي في إمبريال كوليدج لندن، ريتشارد واطسون، ينتمي لتلك الفئة التي تهتم بتفاعل الناس مع التكنولوجيا وتطوراتها، والانعكاسات الاجتماعية والثقافية لذلك، ويحاول تقديم رؤية أقرب للفلسفة، حول ما يمكن أن يأتي بعد خمسين عاماً. وربما يحيل العنوان (ملفات المستقبل) عند الانطباع الأول، إلى أن الكتاب يُعنى بالتوقعات والتخمينات المستقبلية بالدرجة الأولى، لكن المتصفح له سيلاحظ فوراً أنه مختلف عن ذلك.. إنه يستهدف تحرير قدراتنا الخيالية الجمعية والفردية، كي نرى المألوف في صيغة وشكل جديدين ومختلفين، تماماً كما نرى غير المألوف.

يتكوّن الكتاب من أحد عشر فصلاً، يستعرض كل منها بشكل مستقل جانباً رئيسياً من جوانب حياتنا، ويقدم أكثر من 200 اتجاه مألوف وغير مألوف، في معظم مجالات العلم والثقافة والحياة. ويرصد الكاتب في البداية ما يسميه «5 اتجاهات ستحول المجتمع»، ويصفها بأنها المحركات الخمسة الأهم للتغيير في السنوات الخمسين المقبلة، وهي:

أولاً: الشيخوخة، حيث يرى أنه في كل 8 ثوانٍ يبلغ أحدهم سن خمسين سنة في الولايات المتحدة، ويحدد تأثير ذلك التحول الديمغرافي قائلاً: «تنطوي تبعات التحول الديمغرافي على ارتفاع الإنفاق على الأدوية، الذي سجل مستويات قياسية بالفعل، إضافة إلى الاهتمام العام بقضايا مثل الرفاهية، والسياحة العلاجية، وتخطيط الرعاية الصحية».

ثانياً: انتقال القوة نحو الشرق، حيث يتوقع الكاتب نمواً متصاعداً وهائلاً في دول الشرق، كالصين والهند وغيرها، ويرى أن ذلك سيؤدي تدريجياً إلى انتقال القوة من الغرب إلى الشرق، على مستوى الاستثمارات، وعلى مستوى الإنتاجيات.

ثالثاً: الترابط العالمي، ويقول عنه: «إن الترابط الكبير الذي تحدثه التكنولوجيا، وإلغاء القيود، والعولمة، وانخفاض تكلفة السياحة والهجرة، وتغير كيف يعيش الناس، وكيف يعملون ويفكرون، من الأمثلة على ذلك، أنه ثمة مليار نسمة مرتبطين بالإنترنت بالفعل، ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال عقد أو نحو ذلك، وهناك أيضاً 2.5 مليار نسمة يتحدث بعضهم إلى بعض في الهواتف المحمولة، ويعيش 13 بالمئة من سكان العالم اليوم في مكان غير مسقط رأسهم»، ويطرح الكاتب تساؤلاً مهماً حول هذا الاتجاه حين يقول: «ما الذي سيترتب على ذلك؟»، ويجيب: «سيثور القلق من المعلومات، وسينتقل رأس المال ذهاباً وإياباً إلى أماكن ربما يجب ألا ينتقل إليها».

ويضيف الكاتب في استعراضه لمخاطر وإيجابيات هذا الاتجاه قائلاً: «ربما تكون الأخبار السيئة أن الخصوصية ماتت، أو في طريقها إلى الموت من الناحية التكنولوجية، أما الأخبار الطيبة فهي أن كل هذا الترابط يزيد من الشفافية، ومن ثم يمكن أن يكون سلوكنا أكثر نزاهة، وربما نصبح أكثر ذكاء في اتخاذ القرارات؛ لأن ترابطنا سيتيح إجراء استطلاعات آراء فورية، وحكمة الجماهير أعظم دائماً من ذكاء أي فرد، وهكذا سنشهد تحولاً دقيقاً من أنا، إلى نحن».

رابعاً: تكنولوجيا وارن، وهي اختصار للأحرف الأولى من الوراثيات والروبوتات والإنترنت والنانو تكنولوجيا.

خامساً: البيئة وتطورات التعامل معها، والمشاكل التي يعانيها العالم جراءها.

والكتاب بشكل عام ممتع جداً في سرده، ويستعرض عدة عناوين جميلة تغري القارئ بالتعرف إليها، ويقدم رؤية عميقة أهم ما يميزها، هو ذلك الارتباط الواضح بالمعطى الإنساني قبل كل شيء.