عاصمة "إقليم تهامة".. مسروقة مقدماً..بعد ثورة "الزرانيق" التي قمعها الإمام أحمد أخفى جميع وثائق المواطنين وحولها إلى "أراضي دولة" ومن يومها لم يتوقف النهب
الأحد 23 فبراير 2014 الساعة 20:25
اقراء ايضاً :
اليمن السعيد - صامد السامعي - الاولى 

 
 
لا أحد، في الحديدة على الأقل، لا يعرف "مسلسل نهب الأراضي"، أو يسمع عنه. ولا فرق، سواء كانت أراضي دولة أو أراضي أشخاص، فالنهب واحد
.
 
يقول يحيى علانة، وهو متقاعد سبعيني من أهالي الحديدة، إن القضية تاريخها قديم، وتبدأ من آخر فترات الحكم الإمامي، عندما ثار "الزرانيق" ضد الإمام يحيى، فقمعهم بقوات كبيرة قادها نجله وولي عهده أحمد، ليبدأ مسلسل الاضطهاد، حيث عمد الإمام يحيى إلى أخذ كل البصائر ووثائق ملكية الأراضي من الأهالي، وأخفاها، جاعلاً من تلك الأراضي ملكاً للدولة.
 
"كنت هناك"، الأسبوع الماضي، وكنت أضطر للتحدث لكثيرين من أهالي الحديدة ومن خارجها، عن سبب زيارتي للمدينة، وهو عمل تحقيق عن قضية نهب الأراضي. ولا أتذكر شخصاً واحداً لم يدعني لزيارة مكان ما، يقول إنه تعرض لنهب، وكثيرون عرضوا عليّ التعاون في توفير المعلومات الكافية حول القضية، وأغلبهم توقعوا أن يكون التحقيق حول ما يتحدثون عنه جديداً، وفيه معلومات كافية لتجعلني صحفياً بارعاً.
 
وأنا في صنعاء، كنت أفكر بزيارة كل الأراضي المنهوبة في مدينة الحديدة، لتصويرها، وأخذ معلومات عنها من الأهالي، ومختصين. وكان ما يقلقني هو كيف ألتف على وعدي مع مدير التحرير لطف الصراري، الذي شدد على أن المدة المسموحة لي لن تزيد عن 3 أيام، بينما أريد يوماً إضافياً لزيارة تهامة والكدن وباجل، فأنا أعرف أن النهب هناك ليس له حدود، لكن، وبينما أنا في الحديدة، وجدت أني أريد شهراً، وربما أكثر، لزيارة الأراضي والكتابة عنها. أكثر من شهر، إلى جانب 5 إلى 6 صفحات يومية في الصحيفة تفرغ للموضوع.
 
استطعت التملص، وبقيت يوماً رابعاً هناك، ولكني كتبت حول موضوع واحد فقط، أو قضية نهب واحدة هي التي كنت سأعتمدها كمقدمة للدخول في التحقيق، لحداثتها، ولأهمية أطراف الصراع فيها. وهذه القضية هي الصراع على أراضي فرع مؤسسة المياه والصرف الصحي بالحديدة، بين اللواء العاشر الذي كان يتبع "الحرس الجمهوري سابقاً"، وشيخ نافذ وقائد عسكري في نفس الوقت، يدعى "أبو حلفة". والطرفان يريدان نهبها.
 
تقاتل جنود من اللواء العاشر، مع مسلحين تابعين لـ"أبو حلفة"، في الأرضية، وسقط قتيل و3 جرحى، قبل 3 أسابيع، والطرفان دخلا لنهب الأرضية، فيما الجهة المالكة لم تستطع التدخل؛ "لأنها ستكون عرضة للضرب من الطرفين، ولا يوجد من يحميها، في ظل ضعف الأجهزة الأمنية"، حسب قول مسؤول في المؤسسة.
 
يقول محمد عبدالمجيد العبسي، وهو مهندس، وأحد أقدم موظفي الفرع، ويعمل حالياً مستشاراً لرئيس المؤسسة، إن سيطرة أي نافذ أو جهة على الأرضية أو الأراضي القريبة من خط تصريف مياه المجاري، ستكون عواقبها وخيمة، وإن أي عمل استثماري أو بناء سيؤدي بالضرورة إلى قطع الخط، مما سيغرق مدينة الحديدة بالمجاري.
 
تقع هذه الأراضي في الجهة الشمالية من مدينة الحديدة، وهي مخصصة للأعمال الاستثمارية في مجال المصانع والزراعة، والتي لا يفضل السكن فيها، حسب مختصين، لسرعة الرياح فيها، وخطورة قربها من أحواض تصريف المجاري من جهة، وقربها من المصانع من جهة ثانية؛ وهذه الأراضي تصل مساحتها إلى 9 كيلومترات، مقسمة إلى شقين؛ الأول فيه أحواض تنقية المجاري وتصريفها، والآخر تابع للمؤسسة أيضاً، وفيه 22 بئراً ارتوازية تغذي المدينة بالمياه.
 
"تهامة بشكل ممنهج ومن فترة طويلة متفق أنه يجب أن تنهب، ويبقى أبناؤها عبارة عن مشردين وشحاتين، وفي أحسن أحوالهم صيادين". هكذا يقول وكيل المحافظة المساعد هاشم العزعزي، فيما يقول القيادي في "الحراك التهامي" عبدالرحمن الطسي مكرم، إن "هناك سياسة ممنهجة ضد أبناء تهامة، تسير عليها الحكومات المتعاقبة، ومنها الحكومة الحالية، وكأنها مادة في الدستور، تتمثل بأن يتم إقصاء أهالي هذه المنطقة من كل المناصب، وتعيين مدراء العموم من مناطق أخرى، وتعيين مسؤولين وقادة عسكريين من خارجها، بل وتذهب منح تهامة إلى غير أهلها".
 
لا أحد هناك يؤمل كثيراً على لجنة القضاة التي شكلها الرئيس هادي، نهاية الأسبوع قبل الماضي، ولم تباشر عملها بعد، والتي مهمتها النزول والنظر في قضايا نهب الأراضي واستقبال البلاغات والشكاوى، وإيجاد حلول وعد هادي، حسب ما يقال، بتطبيقها كيفما تكون، على أن المهم أن تكون صحيحة وغير منحازة.
 
 
 
وقاحة النهب وخطورته
 
يقول المثل "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"، والناهبون في الحديدة يفعلون ما يشاؤون، حيث لم يكتفوا بنهب أراضي المواطنين، بل وصل بهم الحد إلى نهب أراضي الدولة، ولم يكتفوا بنهب الأراضي التي بدون وثائق ملكية، أو وثائقها ضعيفة، بل تعدوا ذلك إلى نهب أراضٍ وثائقها واضحة، وأكثر من ذلك حولها قرار من مجلس الوزراء يمنع استغلال أي شبر فيها لمصالح غير مصالح مؤسسة المياه والصرف الصحي المحدودة أيضاً، بحيث لم يسمح القرار لأحد، بمن فيهم المؤسسة، بإقامة منشآت أو مبانٍ سكنية أو مصانع في مناطق أقرب من 500 متر من الآبار في جميع الاتجاهات.
 
كان قرار مجلس الوزراء دقيقاً في رسم حدود المنطقة البالغة الأهمية بالنسبة لمدينة الحديدة وساكنيها، والتي تحتوي على أحواض تنقية المجاري وتصريفها إلى البحر من جهة، ومنطقة الآبار التي تغذي المحافظة بالمياه من جهة أخرى، وتوجد فيها 22 بئراً ارتوازية، حيث حدد لها مستويين من الحماية؛ الأول "منطقة الحماية المشددة"، والثاني "منطقة الحماية الثانية".
 
تجاوزت أطماع الناهبين مناطق الحماية الثانية، وهي المنطقة المحيطة بالمنطقة الأولى، والتي حسب القرار حدودها "من الشرق قرية الديكية وحاذتها بطول 5كم شمالاً حتى الحبيشي وجنوباً حتى المحدبية، ومن الجنوب الحزام الأخضر لمدينة الحديدة، ومن الغرب الخط الذي تمر فيه أبراج الكهرباء"، والتي يحظر فيها التوسع العمراني، وأي نشاط صناعي أو خدمي يؤدي إلى تلوث الحوض، حسب القرار الذي حظر على الجهات المختصة منح تراخيص فيها لأي نشاط يؤدي إلى تلوث الحوض.
 
كما تجاوزت أطماع الناهبين منطقة الحماية المشددة، والتي حدودها المساحة المحيطة بحقل آبار المياه على مسافة 500 متر من الآبار في كل الاتجاهات، والمتضمنة آبار المياه وخطوط وخزانات المياه والشبكة الكهربائية، والتي يحظر فيها -حسب القرار أيضاً- أي نشاط اقتصادي مهما كان نوعه، وأي نشاط عمراني، أو استخدام أو خزن مواد كيميائية يمكن أن تسبب أي ضرر أو تلوث للحقل. واستقرت هذه الأطماع داخل المنطقة التي توجد فيها الآبار.
 
 
 
الجيش من ضمن الناهبين
 
يقول طه يماني، مدير عام المياه بفرع مؤسسة المياه والصرف الصحي بالحديدة، إن عدد "النهابين" الذين للمؤسسة معهم قضايا في المحاكم، كثير؛ منهم من حاولوا السيطرة على الأراضي، بل وسيطر بعضهم بالفعل على أراضٍ داخل حرم المؤسسة، وأغلبهم لهم ارتباطات بالجيش أو ضباط وقادة كتائب وألوية، منوهاً إلى أن "أي شخص سيسيطر على المنطقة سيقوم بحفر آبار، وهذا سيؤثر على المخزون، وعلى دفع آبار المؤسسة".
 
في يناير الماضي؛ تقاتل جنود اللواء العاشر ومسلحون تابعون لشيخ نافذ وقائد عسكري في نفس الوقت، يدعى "أبو حلفة"، على أراضي المؤسسة التي تقف عاجزة أمام أية محاولة لنهب أراضيها، و"تكتفي دائماً بعمل مذكرات وإرسالها، فيما الآخرون يشتغلون على الواقع"، حسب قول القائم بأعمال رئيس المؤسسة هاشم العزعزي، الوكيل المساعد للمحافظة.
 
يؤكد الأمين العام للمجلس المحلي حسن هيج، أن المحافظة لديها ملف متكامل عن قضية نهب الأراضي، وأن مشكلة السطو على الأراضي من الجيش بدأت قبل 3 سنوات، من قبل قيادات الدفاع الجوي واللواء 67 طيران واللواء 130 دفاع جوي والشرطة الجوية، وكتيبة من اللواء المرابط في إب، تتواجد قرب المطار، وهي مدعومة ومدرعة.
 
ويقول هيج إن المحافظة عملت على إجراء مراسلات ونزول لجان وإجراء اتصالات ومقابلة رئيس الجمهورية. ويتابع: "عملنا منتدى تشاورياً، وطرح الموضوع على وجهاء المحافظة من مشائخ وغرفة تجارية وعلماء ومسؤولين وزعماء التنظيمات، وصعد الموضوع إلى رئيس الجمهورية، ونزلت لجنة في منتصف عام 2011، برئاسة نائب رئيس هيئة الأركان محمد الأشول، وعضوية قائد الدفاع الجوي، ورئيس الهيئة العامة للطيران، ومندوب عن هيئة مكافحة الفساد، ومحافظ الحديدة، ورئيس الهيئة العامة للأراضي حينها يحيى دويد، وعقدت اجتماعات في الحديدة، وخرجت ببروتوكول طويل عريض، وقعوا عليه أنيطت في ضوئه بعض الأمور بالسلطة المحلية، وأخرى بوزارة الدفاع".
 
ويؤكد أن ما أنيط بالسلطة المحلية هو عمل سور لإزالة المخالفات ذات الطابع المدني، فنفذ، وأنه بقي الجانب العسكري، يزداد يوماً بعد يوم، سواء في أرضية مؤسسة المياه أو مناطق أخرى، من قبل الدفاع الجوي، ومن قبل اللواء 67 طيران واللواء 130 دفاع جوي وكتيبة الدفاع، والشرطة الجوية المعنية بحماية المطار، بأسلحتهم وبوازيكهم وأطقمهم وكل المعدات العسكرية.
 
"هناك جهات أخرى تدعي ملكيتها لأرضية مؤسسة المياه، وهذا أمر آخر سيخضع للمحاكم والنيابات، وكل شخص سيأخذ حقه". قال أمين عام المجلس المحلي للحديدة، لكن المشكلة -حسب رأيه- أن نهب ومخالفات الجانب العسكري "تسير على قدم وساق رغم أنف كل معارض".
 
ويقول هاشم العزعزي، إن قائد اللواء العاشر شريك في العملية مع الشيخ أبو حلفة، ومع آخرين، وإنهما مرتبطان "بأشخاص في النظام"، حد تعبيره.
 
وأضاف: "نحن نطالب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بمحاكمة هذه القيادات العسكرية، ونحن لا نستطيع محاكمتهم، فالقضاء نيابات ومحاكم الأموال العامة، لا تستطيع أن تأتي بعسكري معه دبابات ومعه صواريخ ومعه أسلحة، لتحاكمه. فلذلك هذه مسؤولية وزارة الدفاع والقضاء العسكري، ونحن جزء من هذا البلد، وهذه قضية رئيس الوزراء، وقضية رئيس الجمهورية، وليست قضيتنا وحدنا في المحافظة".
 
ويتابع: "هناك قيادات عسكرية كانت مرتبطة بنظام علي عبدالله صالح، متورطة في القضية، وتدعم هؤلاء الناهبين، واحتمال علي محسن متورط أيضاً".
 
ويشير العزعزي إلى أن اللواء علي محسن صالح لديه مجموعة مرتبطة به من الناهبين، وأنهم "موجودون ومعروفون، ويعملون في النهب، وهناك آخرون يعملون مع أحمد علي أيضاً، ومع آخرين"، حسب قوله.
 
 
 
قتال على الأرضية ولا تحرك من الجهات المعنية
 
الكل في الحديدة ومناطق أخرى سمع بالحادثة التي تطورت إلى اقتحام مبنى محافظة الحديدة، من قبل 7 أطقم على متنها أكثر من 40 جندياً تابعين للواء العاشر، ومحاصرة الموظفين وقيادة المحافظة، وبينهم المحافظ أكرم عطية، لـ4 ساعات، ولا أحد سمع بتطورات القضية أو الخبر المفترض سماعه؛ وهو إحالة الجنود والمحرض لهم إلى محكمة عسكرية، وهذا بكل بساطة بسبب غياب الدولة، ممثلة بوزارة الدفاع، في هذه القضية، أو ربما لتواطؤ الوزارة مع عملية النهب هذه.
 
يقول العزعزي، معلقاً على القضية: "الخلاف والاشتباكات الأخيرة مسرحية، تقاتلوا من أجل أن يخاف مهندسونا، ويخرجوا من الأرضية، وبالتالي يسيطرون عليها، وهم كانوا متفقين، وحصل القتال الصباح، وبعد الظهر تغدوا مع بعض، وخزنوا مع بعض أيضاً".
 
ويضيف: "اقتحام المحافظة يومها موضوع آخر له علاقة بالقضية، ولكنه أكبر، وهو محاولة للضغط على المحافظ للتوقيع على هذه الأراضي، وأراضٍ أخرى، وفي سياق إحداث فوضى في البلد، نتيجة نجاح مؤتمر الحوار الذي أرادوا له الفشل، وهم من رتب لكل ذلك، وجاء بالمناسبة".
 
وإلى جانب القتال ومحاولات السطو المستمر على أراضي المؤسسة، هناك ضابط في الشرطة العسكرية بسط على أرضية واسعة داخل حرم المؤسسة، ويسكن فيها حالياً، بعد أن بنى منزلاً.
 
شاهدت المنزل في حرم أحواض معالجة الصرف الصحي، وقال المهندسون في الأرضية إن المنزل يتبع ضابطاً في الشرطة العسكرية، كان الفريق الهندسي، مع عدد من الجنود، يرافق فريق بناء السور حول أراضي أحواض المجاري، بعد محاولة السيطرة عليها، وبعد فترة من انتهاء عمل الفريق، سطا بنفسه على أرضية واسعة داخل السور، وبنى فيها بيتاً، بل واستطاع عبر نافذين أن يخرج تصريحاً بتوصيل الكهرباء إلى البيت، رغم معرفة مسؤولي المؤسسة أن الأرضية تابعة لمؤسسة المياه، وكل ما استطاعت المؤسسة عمله تجاهه، هو قطع سلك الكهرباء فقط.
 
 
 
عن تورط المحافظة في صرف الأرضية
 
تداولت أغلب الأوساط حديثاً على لسان قيادة اللواء العاشر، أن المحافظ وجه لهم بتلك الأراضي لبناء مدينة سكنية خاصة بجنود اللواء، فيما يدعي أبو حلفة مرة بملكيته لها، وأخرى بأنها صرفت من المحافظة لكتيبته لبناء مدينة سكنية، بيد أن أمين عام المجلس المحلي حسن هيج، ينفي أن يكون صرف المحافظ أو أي مسؤول بالمحافظة الأرضية لأية جهة.
 
وقال الوكيل العزعزي إن معلوماته بهذا الخصوص، أن "مكتب الأراضي سلم اللواء العاشر هذه الأرض، وكان يفترض أن يوقع المحافظ في المحاضر، والمحافظ رفض، وهم نزلوا ينهبون، مستخدمين الآليات والمعدات العسكرية". منوهاً إلى أن "هذه ليس أول مرة يعملونها، فمعهم مشاكل في باجل، ومشاكل في جميشة، ومشاكل في كيلو 16، وقد نزلت لجنة عسكرية من وزارة الدفاع واللجنة الأمنية هنا، عقدت اجتماعاً"، معلقاً: "وإذا كانوا مش قادرين لضابط، هذا كلام فاضي".
 
ويقول هيج، موضحاً الأمر، إن "قيادة اللواء العاشر، ممثلة بالقائد السابق، قدمت للمحافظ مذكرة من أجل صرف أرضية لبناء مدينة سكنية، فوجه الأخير مدير هيئة الأراضي بالبحث عن موقع سكني بعيد وخالٍ من الإشكالات، بحيث يتم استكمال الإجراءات حسب القانون والنظام"، مضيفاً: "لأنه وصلتنا توجيهات رئاسية أنه يمنع تماماً التصرف بأراضي الدولة إلا عبر رئيس الجمهورية".
 
وأضاف: "وجه المحافظ مدير عام فرع هيئة الأراضي بالبحث عن مكان، واستكمال الإجراءات، ورفعها لرئيس هيئة الأراضي، ومن ثم إلى رئيس الجمهورية، للموافقة عليها"، مستدركاً: "لكن، للأسف، بمجرد نزول المهندس، وعمل بعض المسوحات في موقع فيه قرار من مجلس الوزراء بأن يكون حرماً لأحواض الصرف الصحي، تم السطو على الأرضية من قبل اللواء".
 
وتابع: "المهندس، بصورة أو بأخرى، نزل إلى المنطقة، لا أدري بأي طريقة، هل ضغط عليه هل, هل، هل (...)، وهو الآن محال إلى نيابة الأموال العامة".
 
ويواصل هيج الحديث: "بمجرد نزول المهندس بسطوا بأسلحتهم، ونحن في الحقيقة كنا ننظر إلى الموضوع باستغراب جداً، حيث لم يتم الموضوع رسمياً إطلاقاً، فقط بدأ المهندس باتخاذ إجراءات، وهم اتخذوها فرصة أن هذا قد سلم، وأصبح ملكاً لهم".
 
ويقول وكيل المحافظة، والقائم بأعمال رئيس المؤسسة، إن "هذه المنطقة محرمة، وإن القضية يفترض ألا تكون قضية المؤسسة فقط، وإنما قضية المجتمع كله، وقضية الدولة، وقضية الناس والمنظمات".
 
ويضيف: "هؤلاء الناهبون معهم ناس وكلاء موجودون في المؤسسة، وموجودون في الأمن، وموجودون في المحافظة، وموجودون في كل مكان، لا يشتغلون وحدهم".
 
ويذهب الأمين العام للمحافظة حسن هيج، إلى أنه "كان من المفترض على جنود اللواء العاشر أن يترووا ويرفعوا الموضوع إلى المحافظ، ثم إلى رئيس الهيئة، ثم إلى رئيس الجمهورية، وبعدها ينتظروا القرارات، ففي الأخير هذه أراضي دولة، ورئيس الجمهورية هو من يحق له أن يتصرف فيها، وليس المحافظ أو الأمين العام أو رئيس الهيئة"، حسب قوله.
 
 
 
اقتحام مبنى المحافظة واحتجاز المحافظ
 
أشعل خبر القتال على أراضي مؤسسة المياه والصرف الصحي، ومحاولة نهبها، غضب شريحة واسعة من أهالي الحديدة، انتفضوا عقب اقتحام مبنى المحافظة، بمظاهرات رفضاً وتنديداً بالحادثة.
 
ويقول عبدالرحمن مكرم، القيادي في الحراك التهامي، إن "دخول قوات اللواء العاشر إلى مبنى المحافظة، انتهاك لسيادة تهامة كلها، ونحن دعونا إلى اعتصام نتيجة لتلك الحادثة، وحصل إضراب شامل لنصف يوم، استجابت له كل المكاتب الحكومية والشركات والمؤسسات، وبعض المحلات التجارية أيضاً".
 
إلى اليوم تحرس قوات كبيرة من الشرطة العسكرية مبنى المحافظة، ولا يخرج الأمين العام للمجلس المحلي إلا بحراسة مشددة، كما يقول موظفون، فيما المحافظ "معتكف في البيت" احتجاجاً.
 
ويؤكد حسن هيج أن "المحافظ كان فقط بدأ باتخاذ بعض الإجراءات، وخرج الموضوع من اليد، وأهالي المحافظة ضجوا، بعدها اتخذت المحافظة إجراء حازماً، وامتنعت عن التعامل مع قيادة وجنود اللواء، أو السماح لهم بالاستمرار".
 
ويضيف: "بعد هذا التوجه دخلوا المحافظة بـ7 أطقم، وعددهم يصل إلى 40 مسلحاً، بالمعدلات، واضطرت المحافظة إلى استخدام الشرطة العسكرية، وحدثت بينهم اشتباكات، وخرجوا على إثر ذلك، وأصدر المحافظة توجيهات للقوات الأمنية، وإلى الآن المبنى محروس من الشرطة العسكرية".
 
يؤكد كل من قابلتهم أن غياب المحافظ أكرم عطية، وعدم مزاولته أعماله، مرتبط بالقضية، باستثناء الأمين العام للمجلس المحلي، الذي قال إن ذلك ليس له علاقة، وغير صحيح، منوهاً إلى أن المحافظ فقط عانى من وعكة صحية، وعاد إلى المحافظة بالفعل، واستقبل الناس بعد تشافيه.
 
وأكد هيج أن الرئيس هادي يومها تواصل مع المحافظ، وأرسل له مذكرة كانت موجهة لقيادة المنطقة، لاتخاذ الإجراءات، مؤكداً: "ونحن بانتظار الإجراءات التي ستتخذها قيادة المنطقة، لأن الموضوع عسكري".
 
 
 
37 اعتداء على أرضية المياه والمجاري
 
يوجد في أرشيف مؤسسة المياه والصرف الصحي بالحديدة، كشف بعدد الاعتداءات على أرضية المؤسسة، ومتهم بتلك الاعتداءات أطراف كثيرة، وكان الكشف موجهاً إلى محافظ الحديدة، من قبل المؤسسة، لإيجاد حل.
 
واشتكت المؤسسة في تاريخ 25/3/2008، من استحداث بناء داخل حرم حقل مياه البيضاء، وفي تاريخ 21/6/2008 من بناء سور فوق خطوط المياه الرئيسة من قبل (أحد النافذين)، وفي 8/7/2008 من الردم فوق الخطوط الرئيسة للمياه بحقل البيضاء، وفي 21/7/2008 من تهديد العمال ومنعهم من دخول مواقع الأحواض وآبار المياه من قبل (نفس النافذ السابق)، وفي 30/8/2008 من البسط على أراضي حرم حقل البيضاء، من قبل جمعية النصر، وفي 28/12/2010 من اعتداء على أحواض المعالجة، من قبل جنود خفر السواحل، وفي 9/11/2010 من قيام أحد النافذين بالبسط والاستحداث في أراضي حرم الأحواض، واستقدام النساء للبسط على الأراضي، وفي 26/5/2010 من الاعتداء على المقاول المنفذ لسور أحواض المعالجة مع العمال، من قبل عساكر مجهولين مسلحين، وفي 2/6/2010 من قيام مدن سكنية داخل حرم حقل المياه بالبيضاء، وفي 26/3/2010 من توقيف المقاول عن تسوير محطة المعالجة، من قبل مسلحين تابعين لجمعية ابن الهيثم، وفي 27/11/2010 من إيقاف المقاول المنفذ لسور محطة المعالجة، من قبل أفراد وضباط في الكلية البحرية، وفي 7/7/2010 من اعتداء شركة فاهم بالبسط على حقل الآبار بالبيضاء، وفي 30/6/2010 من توقيف العمل بسور محطة المعالجة، من قبل 3 نافذين، وفي 26/6/2010 من اعتداء (أحد النافذين) على حقل آبار المياه بحفر آبار، وفي 15/2/2011 من الاعتداء بتكسير سور محطة المعالجة، من قبل المواطنين المعتدين بأحواض المعالجة، وفي 22/10/2011 من اعتداء المواطنين الباسطين على أحواض المعالجة، على المقاول والمعدات والعمال، وفي 17/11/2011 من اعتداء على خط المياه الرئيس الناقل للمياه جوار مصنع الملح، وفي 17/4/2011 من الاعتداء على خطوط المياه ومناهل الصرف الصحي، من قبل (نافذ) جوار مصنع الملح جنوباً، وفي 28/1/2012 من البناء فوق خط المياه الرئيس مدخل خط الآبار، من قبل معتدين، وفي 7/2/2012 من الاعتداء على خطوط المياه المغذية لمدينة الحديدة أمام مصنع الملح، وفي 11/2/2012 من الاعتداء على أحجار سور محطة المعالجة، من قبل أفراد من الشرطة العسكرية، وفي 7/3/2012 من البناء فوق الخطوط الرئيسة للمياه داخل سور محطة المعالجة، من قبل مواطنين، وفي 17/3/2012 من الاعتداء المتكرر على الأرض المخصصة لسور وأحواض المعالجة، وفي 4/9/2012 من التزايد بالبسط والاعتداء على أراضي حرم حقل محطة المعالجة، وفي 30/9/2012 من التزايد العشوائي بالبناء والبسط على الأراضي المخصصة لمحطة المعالجة، وفي 20/6/2012 من الاعتداء على الخطوط المغذية للمياه خلف مصنع الملح، وفي 7/2/2012 من الاعتداء على خطوط المياه المغذية لمدينة الحديدة، وفي 7/2/2012 من قيام (شيخ نافذ) بحفر آبار مياه في حقل المياه بالبيضاء، وفي 1/7/2013 من الاعتداء بتكسير سور محطة المعالجة، وفي 16/6/2013 من بناء بيارة فوق خطوط المياه الرئيسة والفرعية بشارع الخمسين، من قبل (نافذ)، وفي 7/4/2013 من استحداث بناء على الخط الرئيس الناقل للمياه جوار مصنع الملح، من قبل (نافذين) ومجموعة من المواطنين، وفي 21/1/2013 من اعتداء بالمسح والاستحداث من قبل (شيخ نافذ) في حرم حقل المياه بالبيضاء، وفي 24/2/2014 من استمرار الاعتداء على خطوط الضغط العالي ومنشآت أحواض المعالجة وتكسير السور، من قبل المعتدين بالبسط، وفي 6/4/2013 من الاعتداء بالبسط داخل حرم سور أحواض المعالجة، وفي 26/5/2013 من الاعتداء على الخط الناقل للمياه، وفي 7/7/2013 من البناء العشوائي فوق خطوط المياه الرئيسية المغذية للمدينة جوار مصنع الملح.
 
هذه الاعتداءات حصلت الصحيفة على وثائق رسمية بمحتواها، ولأن بعضها تضمنت أسماء أشخاص، وأخرى لم تتضمن، تمت الإشارة إلى اسم الشخص بـ"نافذ" أو "نافذين" بين الأقواس، فيما اكتفينا بذكر الأسماء الواردة على لسان مسؤولي محافظة الحديدة في المقابلات المسجلة.
 
وطالبت المؤسسة المحافظ الذي يشغل رئيس مجلس الإدارة، بإزالة المخالفات عبر الجهات المعنية بالمحافظة، وحماية الأنابيب، حفاظاً على مصلحة المواطنين، ولما تقتضيه المصلحة العامة، غير أن المحافظة لم تحرك ساكناً لتتواصل بعدها الاعتداءات، حسب المهندسين هناك.
 
كما يوجد في الأرشيف شكوى من المؤسسة، موجهة إلى مدير الأمن السياسي بالحديدة، من قيام موظف في الأمن السياسي بالاعتداء على عمال الصرف الصحي واحتجاز البابور وحجز حرية الموظفين، مطالبة بإحالته إلى جهات الاختصاص، وفقاً للقانون.
 
الطريق الأولى لنهب الأراضي
 
تبدأ قصة أغلب عمليات النهب بدفع النافذين أهالي معوزين للسكن في الأرضية، وتنتهي بإجلائهم منها مقابل مبالغ مالية بسيطة. ومع أن هذه الطريقة أصبحت معروفة لدى كل أهالي الحديدة، إلا أن فعاليتها لا تزال كما هي، حيث تكسب النافذين أحقية في التعويض على الأقل كونهم اشتروها.
 
وفي أرضية المؤسسة دفع نافذون يسعون وراء أرضية أحواض المعالجة، عدداً كبيراً من الأهالي المعوزين للسكن، ويتواجدون هناك ضمن بيوت من سعف النخيل والقش.
 
وتمثل الحياة في الأرضية مضايقة لخط نقل المجاري إلى البحر، ولكن كل ذلك كان مدروساً، حسب ما أفاد محمد عبدالمجيد العبسي، بغرض قطع الخط، وتسهيل السيطرة على الأرض، كون استمرار الخط يؤثر سلباً على أي مشروع يمكن أن يقيمه من سيسيطر على الأرض، بسبب الروائح، وعدم قابلية المكان لأي مشاريع في وجوده.
 
يقول أحد الأهالي الساكنين في المكان، قابلناه ونحن نغادر بعد قيامنا بجولة من أجل التصوير، إنه بسبب العوز وعدم امتلاكهم بيتاً أو أرضاً، انتقل وأسرته ليعيش في ذلك المكان، رغم علمه بخطورته المتمثلة باحتمال إصابته وأسرته بالأمراض، خاصة السرطان.
 
الرجل من زبيد، اسمه أمين، واغترب في السعودية خلال فترة السبعينيات -حد قوله- لكنه اشتغل هناك في البناء، ولذلك لم يعد إلى البلد كما كان يتوقع، ولم يبن بيتاً جديداً عصرياً، أو يتاجر كما يفعل الكثيرون، وحين ماتت زوجته بعد عودته بفترة، اضطر لبيع البيت نتيجة ظروفه، وكان فقد الأرض في وقت سابق.
 
تزوج الزبيدي الذي كان يتحدث لنا، وبجواره نجله الأكبر العشريني، وظل يتنقل بين عدة مناطق، بحثاً عن عمل واستقرار، وانتهى به الحال إلى أرضية مؤسسة المياه بالقرب من أحواض تنقية وتصريف المجاري، التي قال إنها أرضية دولة، وله الحق في استغلالها، مستبعداً أن يكون أي شخص دفعه للسكن هناك بغرض الاستيلاء على الأرض.
 
ودعنا الرجل بعد أن طلب منا أن نأخذ أحد أطفاله معنا في السيارة لتوصيله إلى المدرسة داخل مدينة الحديدة، وكان ونجله الأكبر يطلبان منا العودة مجدداً لزيارتهم.
 
صعد معنا في السيارة أيضاً أحد ساكني المنطقة، يعمل في سمكرة السيارات، وينتمي لمحافظة ريمة.
 
بدا الرجل في منتصف الثلاثينيات، ونسيت أن أسأله عن اسمه، لكنه قال إن الفقر والعوز دفعاه إلى السكن في المنطقة. وتحدث عن الأخطار المحدقة بهم، والتي تتجاوز الأمراض إلى تهديد حياتهم نتيجة طبيعة المنطقة التي يعتقد أن فيها بركاناً، وقال إنه قبل أشهر نشب حريق بشكل مفاجئ كاد أن يلتهم كل المنازل المبنية من القش، وسعف النخيل، وخشب الأشجار، والتي يقطنها المئات، مشيراً إلى أن الأهالي تحدثوا عن بركان، كون النيران كانت تنبعث من الأرض بدون وجود أية مواد قابلة للاشتعال، ولعدم قدرة الأهالي على إخماد الحريق بسرعة.
 
فسر لي أحد موظفي مؤسسة المياه والصرف الصحي، كان معنا، الحادثة بأنها حادثة حريق عادية قام بها أحد الأشخاص، حسب ما وصلهم من شهود عيان، ولكن بسبب الرياح والأشجار الميتة وسعف النخيل، انتشرت بسرعة. أما عن انبعاث النيران من الأرض، فقال إنها كانت بسبب مواد كيميائية كانت مدفونة، ويعتقد أنها من مخلفات وعوادم المصانع القريبة.
 
 
 
في أرضية المؤسسة
 
زرت أرضية مؤسسة المياه والصرف الصحي بالحديدة بشقيها (أرضية حقول الآبار وأرضية أحواض المعالجة والتصريف) ووجدت هناك آثار متاريس استخدمها جنود اللواء العاشر ومسلحي أبو حلفة أثناء الاشتباكات الأخيرة كما وجدت آثار عدة محاولات للبناء داخل الأراضي بالإضافة إلى وجود بئر قال مدير المؤسسة أنها تابعة لأحد النافذين يدعى محمد فاهم.
 
من خلال مشاهدتي لأحواض معالجة وتصريف المجاري الـ12 لم أصدق أن أحد يرغب في السيطرة على تلك الأراضي بغرض استثماري أو غيره، فالموقع يهم جميع أهالي الحديدة وفيه أحواض هي فريدة من نوعها في اليمن عوضاً عن أن السيطرة عليها وقطع خط التصريف أو ردم الأحواض يعني الكارثة لمدينة الحديدة التي ستغرق بالمجاري تلقائياً.
 
وخلال لقائي مع وكيل المحافظة المساعد هاشم العزيزي أكد لي أن هذه الأراضي مخصصة من سنوات طويلة للمؤسسة وفيها قرار من مجلس الوزراء وتم استلامها من أراضي وعقارات الدولة، والتوقيع عليها من قبل المحافظ بكل إجراءاتها وأنها أخذت وفقاً لدراسة إجراءها مختصين بمساعدة البنك الدولي وهيئة الموارد المائية.
 
وأكد العزعزي أن "الناهبين يريدون أن يستولوا على المنطقة وبعدها يبيعون الماء على المواطنين"، وعزز تأكيده بأن "الناهبين" "قد حفروا آبار وماسكين أراضي والمؤسسة وقفت عاجزة ودورها تعمل مذكرات وإرسالها بينما الآخرين يشتغلوا".
 
وذكر أن "أبرز المعتدين على المؤسسة هو أبو حلفة، وعنده ناس مسلحون، وهو قائد عسكري، وعنده دعم يأتي من صنعاء من قيادات عسكرية عليا، ومن أعضاء مجلس نواب، ورئيس مجلس النواب يحيى الراعي نفسه"، منوهاً: "هذا الرجل لا يشتغل لوحده، وإنما يشتغل لناس آخرين بصنعاء (نص بالنص)، والعساكر حق الدولة، والتمويل حق الدولة، والسلاح حق الدولة، وهو عليه ينهب، ولناس نافذين في السلطة".
 
ويقول مستشار مدير المؤسسة محمد العبسي، إن الجمعيات السكنية المحيطة بقناة التصريف ليس من مصلحتها أن تمر القناة عبر أراضيها أو الأراضي الباسطة عليها، بينما هذه القناة تخدم الأحواض، وتخدم المدينة من سنة 1980 "وعاد الدنيا صحراء إلى ميناء الحديدة".
 
الأراضي التي تمر عبرها القناة، والمتواجدة فيها الأحواض، ملك الدولة، وباسط عليها بعض النافذين؛ مثل أبو سودة وأبو حلفة السياغي، وناس كثيرون، حسب ما يقول العبسي.
 
ويضيف: "في الحقيقة، القناة تؤثراً سلباً على ملاك الأراضي القريبة منها، ولكن هذا من أجل المحافظة كلها"، ويستطرد: "الآن منعونا لأنه لما يجيبوا مواطنين أو مستثمرين يبيعوا لهم أراضي، يشوفوا القناة حق المجاري، يرفضوا أن يشتروها، لذلك سببوا لنا إعاقة، وحاولوا أن يردموها".
 
ويتابع: "الأراضي المحيطة بسور أحواض تنقية وتصريف المجاري، هي أوقاف تدعى "أراضي جميشة"، وتستخدم لعملية الزراعة والاستنفاع فيها، وليست للاستخدام الخاص، وجميشة تزرع خلال السنة كل أنواع الحبوب والخضروات، والجماعة يريدون السيطرة على كل المساحات الخضراء، وهذا ابتزاز للأراضي".
 
كان لدى المؤسسة خطة لاستغلال المساحات المحيطة بالقناة، حسب ما قيل لي، حيث يمكن أن تستخدم لبناء 10 أحزمة لحماية مدينة الحديدة من الروائح والتلوث، وزراعة عدد من الأحزمة الخضراء التي تستطيع أن تمنع تحرك الكثبان الرملية باتجاه القناة وتغطيتها، بحيث تبقى القناة شغالة بدون أخطار، ولوقت أطول.
 
وعن حقل المياه، فالمشروع قديم، وبدايته تعود لعام 1982، حيث بدأ بالحفر فريق روسي، وبعده فريق هولندي، ثم كوري، وفي الأخير شركة من المؤسسة. وتوجد في الأرضية 22 بئراً، وتقع في منطقة تدعى البيضاء، والتي يحرم إنشاء أي مشروع استثماري فيها، أو بالقرب منها.
 
ويقول مدير مكتب المياه بالمؤسسة طه يماني، إن المشكلة مع أبو حلفة لها أكثر من 10 سنوات، وقد استولى على أراضٍ كثيرة داخل الحرم، وإن المشكلة بدأت من جنوب الأحواض.
 
ويؤكد يماني أن "المشروع كبير وضخم جداً، يشرب منه حوالي 500 ألف نسمة، وأن أي ناهب لو استطاع أن يسيطر على الأراضي وحفر الآبار، سيكسر الخط الرئيس، ويمكن أن تتوقف المياه عن الحديدة أكثر من أسبوع، حتى نستطيع تصليحها، وهذا إذا كان التخريب في مكان واحد".
 
أثناء تجولي في الأراضي، لفت انتباهي وجود بئر مختلفة عن البقية من حيث التصميم، وبجوارها مكان حراسة، لم تبدُ لي أنها تابعة للمؤسسة، فبادرت بسؤال أحد الموظفين كان إلى جانبي، فقال إنها تابعة لتاجر يدعى محمد فاهم، وعندما استفسرت من اليماني رد عليّ: "نعم لديه بئر، وتحاربنا حرباً معه، وأخذنا عليه شيول، وجاء وهددنا بقوة السلاح، والآن البئر التابعة له شغالة، وتهدد آبار المؤسسة".
 
وتابع: "رفعنا ضده قضية في المحكمة، ولدينا قضايا مع أكثر من 10 متنفذين آخرين، كلها في محاكم الاستئناف".
 
وخلال زيارتي لأحواض المعالجة، شاهدت ارتفاع المنسوب بشكل جعل المياه تفيض إلى الأراضي المجاورة، وقال المهندسون هناك إن ذلك بسبب عرقلة قناة التصريف وردمها.
 
وقال المهندس العبسي إن إغلاق القناة من قبل المتنفذين على الأراضي، وعدم سماحهم للعمال بإعادة فتحها، أدى إلى ارتفاع منسوب الأحواض، مشيراً إلى أن الارتفاع قد يؤدي إلى انهيارات في بعض الجدران، وأن هذا "تأثيره كبير، فإذا انهار الحوض لا يمكن إعادته إلا بمئات الملايين من الدولارات".
 
يوجد في الأحواض طبقات عازلة تمنع وصول المجاري إلى التربة، ومن ثم إلى المياه الجوفية، وانهيار الحوض سيؤدي إلى تمزق الطبقة العازلة، وهذا مكلف، حيث المتر المربع من الطبقة بـ5 دولارات، حسب قول العبسي، إضافة إلى أن تمزقها سيجعل المجاري تتسرب إلى المياه الجوفية وتلوثها.
 
 
 
تشكيل لجنة تحقيق من القضاة
 
شكل الرئيس هادي، قبل 3 أسابيع، لجنة من القضاة، مهمتها معالجة قضايا الأراضي بالحديدة، بعد النزول والاطلاع على قضايا النهب، والتلاعب بالأراضي، واستقبال الشكاوى من ذوى الاختصاص، على ألا تنظر للأراضي التي تم النظر لها من قبل اللجان السابقة، والاستفادة من أعمال اللجان السابقة.
 
وخلال زيارتي للمحافظة، تفاجأت أن اللجنة لم تزر الحديدة بعد، ولا أحد هناك يعرف طبيعة عملها، ومتى ستبدأ بمزاولته، رغم أن قرار تشكيلها كان واضحاً.
 
الكل يقول إن تشكيل اللجنة خبر جيد، لكنهم يتوجسون منها في ذات الوقت، ومن أن تكون كسابقاتها الكثيرات، والتي لم تصنع فارقاً، بل كان يستمر النهب، وأثناء وجودها.
 
"المشكلة ليست مشكلة لجان، فنحن نفتقد الدولة"؛ بهذه الكلمات يفتتح طه يماني حديثه عن تشكيل اللجنة، ويضيف: "كل من معه سلطة ومعه قوة، يتجه نحو السطو على الأراضي، ولا أحد يردعه إلا نافذ بمستواه يمتلك سلاحاً ومرافقين".
 
ويضيف يماني: "تشكيل اللجنة جاء متأخر نوعاً ما، ولكن خطوة ممتازة، ونحن متفائلون خيراً، ونتمنى أن يحاسبوا كل من أخذ أراضي، ويشوفوا الأراضي ملك من، ويحموا حرم آبار المؤسسة، ويمنعوا المتسلطين والنهابين".
 
ويذهب يماني إلى أن صراع اللواء العاشر وأبو حلفة، على أرضية المؤسسة، نبشت قضايا النهب في أراضي تهامة بشكل عام، وأنه يجب أن يبدأ الحل من هذه الأراضي.
 
ويقول حسن هيج إن السلطة المحلية لم تمثل في لجنة الأراضي، لكنه توقع أن "اللجنة ستزاول عملها من مبنى المحافظة، وسيكون لنا وجود سواء عبر المحافظة أو الشؤون القانونية في المحافظة، أو هيئة الأراضي، فلابد للسلطة المحلية من وجود. وهدفنا هو استجلاء الحقائق عن أي شخص يكون عسكرياً أو مدنياً، أو جهة أو جمعية، ومن لديه وثائق ويدعي بحق يتفضل ويقدم وثائقه لهذه اللجنة".
 
وأضاف: "لا نعرف من متى ستبدأ اللجنة عملها، ولكن هل الظروف ستسمح لهم بمزاولة أعمالهم وفق القرار؟ وهل سيكون هناك ملابسات من هذا القبيل..؟ لا أتكهن، ولكن نحن في السلطة المحلية نأمل من اللجنة سرعة النزول، ومباشرة العمل، قبل أن تحصل مشاكل أخرى، أو ينجر آخرون إلى سطو جديد في مناطق أخرى".
 
يؤمل عدد من مسؤولي الحديدة على النظام السياسي الجديد المتمثل بالأقاليم؛ يأملون أن يشكل لهم مدخلاً لحل قضايا الأراضي، فيما يؤمل آخرون على مخرجات مؤتمر الحوار التي تطرقت لقضايا النهب في تهامة والجنوب، مع عقد أمل -ولو ضعيف- على لجنة هادي الأخيرة.
 
الوكيل هاشم العزعزي، يؤمل على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، إيجاد حل ومحاكمة الناهبين، بالإضافة إلى اللجنة المشكلة من هادي، ويطالبهم بأن "يعيدوا للناس حقوقهم، ويمنعوا هؤلاء النافذين المتسلطين من عملية النهب لأراضي الدولة وأراضي المواطنين"، مشدداً على ضرورة "أن تشتغل المحاكم والنيابات على هذه القضايا".
 
ويقول القيادي في الحراك التهامي عبدالرحمن مكرم، إن نظر الرئيس عبد ربه منصور بهذا الوقت لقضايا تهامة، "توجه حكيم بأن يشكل لجنة لحل قضايا أراضي الحديدة، وهو اعتراف ضمني منه بأن تهامة مظلومة ومنهوبة كما نهب الجنوب".
 
وبرغم الارتياح للقرار، أبدى مكرم تحفظه نوعاً ما بالقول: "نخشى أن تكون هذه اللجنة لجنة تخدير، وليست لجنة للمعالجة. وكم من لجان شكلت كانت نتائجها توضع في الأرشيف".
 
وحذر مكرم من التلاعب وعدم الجدية من قبل اللجنة؛ "إذا لم تخرج اللجنة بمعالجات فستنتفض تهامة عن بكرة أبيها، وستسفك من دماء ما لا تحمد عقباها إن لم تحل كل قضايا الأراضي داخل هذه المحافظة".
 
 
 
عن النهب بشكل عام
 
لا يستغرب أحد من أهالي الحديدة أو من عاش هناك، وأنت تتحدث له عن نهب أرضية تابعة للدولة أو المواطنين، ومهما كان طولها، ذلك أن مثل هذه الأخبار لم تعد جديدة بالنسبة لهم، بل يرون أن الجديد سيكون إذا تراجع أحدهم عن نهب أرضية، واعترف بخطئه، أو عندما تحكم المحكمة لمواطن عادي لديه وثائق، ويتشارع مع نافذ كبير على قطعة أرض.
 
يقول العزعزي إن "نهب الأراضي في تهامة أكبر من نهب الأراضي في الجنوب.. على الأقل هناك واضحة، عكس تهامة"، حسب رأيه.
 
ويسرد قصة قال إنها حقيقية، وتكشف أحد أسرار النهب؛ قال: "كان النظام السابق إذا واحد من التابعين لشيخ أو نافذ كبير، قتل في صنعاء، يهربه إلى الحديدة، ويصرف له أرضية في تهامة"، منوهاً: "كانوا يصرفون أرضية لبناء منزل، وهو يأخذ 5 كيلو".
 
وعن النهب تحت غطاء قانون الاستثمار، يقول العزعزي إن "الأراضي تصرف ويبسط عليها قبائل أو عسكر باسم الاستثمار، بينما هم لا يعرفون ما معنى الاستثمار، ولا قانون الاستثمار، ولا علاقة لهم بأي شيء؛ فقط يأخذونها ويبيعونها".
 
وإلى جانب الناهبين، تعاني الحديدة من مكتب الأراضي، حيث "لم يجدوا حتى الآن من يؤتمن على الأراضي، حيث الأول كان ضعيفاً، والثاني جاء فاسداً، والثالث أفسد... وهكذا"، حسب العزعزي.
 
ويقول الأمين العام حسن هيج، إن قضايا الأراضي عويصة جداً، ولأسباب عديدة؛ منها النافذون، ومنها الغموض حول الوثائق، ومنها السطو المسلح.
 
ويرى الحراك التهامي أن مشكلة الأراضي هي جزء من القضية التهامية، كما يقول عبدالرحمن مكرم، الذي يرى أنه "كما قسموا أرض تهامة بين عدة محافظات، جعلوا عدداً من النافذين بإشراف أمني ينهبون أراضي الحديدة بقصد إذلال أهالي تهامة، وعدم النهوض بالمحافظة".
 
ويشير إلى أن لديه "قوائم بأسماء وعدد الناهبين عسكريين ومدنيين ومسؤولين ونافذين وقبائل من خارج تهامة"، كما يشير إلى أن قيادة "الحراك التهامي" لا تريد أن تصرح بأسماء الناهبين الآن، متوعداً بـ"نشر كل القوائم في حال لم تعالج اللجنة قضايا أراضي تهامة".
 
في آخر قضايا الصراع على أراضي الحديدة، سقط قتيلان؛ الأولى قبل سنة، وتم فيها تنفيذ حكم قضائي، وأخرى بين أهالي مأرب واللواء العاشر، حدثت على أراضي "جميشة"، وراح ضحيتها مدير أمن مديرية مأرب. وغير ذلك تحدث اشتباكات بين كل فترة وأخرى.
 
ولا تشكل قضايا القتل على الأراضي مبعثاً للخوف على المحافظة، حسب هيج، الذي قال إن الخوف من القضايا المسيسة فقط، "والحديدة لا توجد فيها قضايا قتل سياسي، أما الجرائم ذات الطابع الجنائي فتحدث دائماً، وهذا أمر طبيعي".
 
ويرى كل من قابلتهم من مسؤولين في المحافظة والحراك ومؤسسة المياه، أن الأقلمة ستمثل حلاً لقضايا الحديدة بشكل عام، ومنها قضايا الأراضي.
 
فيقول هيج: "أنا أنظر إلى الأقاليم أنها مخرج رئيس وحقيقي لتمكين السلطة المحلية من اتخاذ كافة القرارات التي تهدف إلى تطوير أداء السلطة المحلية، وخلق روح التنافس بين الأقاليم"، منوهاً: "الأقاليم ستمثل مدخلاً لحل قضية الأراضي، حيث إقليم تهامة سيكون له مجلس وزراء ومجلس نواب وحكومة مصغرة ومستقلة وإدارة مستقلة، وبالتالي ستمكن المحافظة، وسيكون لها قوة أمنية وقوة عسكرية، ولديها قرار سياسي مستقل وفاعل، تستطيع من خلاله معالجة قضاياها".
 
 
 
جذور قضية نهب الأراضي
 
شكلت الثورة ضد الإمام يحيى، المدخل الأول لنهب أراضي تهامة، كما أكد لي الكثيرون من أهالي الحديدة، أثناء حديث عن الموضوع.
 
انتقم الإمام يحيى من "الزرانيق" الذين ثاروا بقوة ضد حكمه، بأن جعل أراضيهم مشاعاً بعد أخذ كل الوثائق بالقوة، وإخفائها أو إحراقها، حيث المعلومات تتضارب في هذا الجانب، كما يقول يحيى علانه.
 
بعد فترة من أخذ وثائق ملكية الأرض وإخفائها، احتكم الإمام وأهالي الحديدة إلى القضاء الذي كان زمامه بيد الإمام نفسه، فصدر حكم بأن تكون مدينة الحديدة إلى كيلو 7 ملكاً للدولة، والبقية مشاعاً. وبعد الجمهورية، وعلى إثر خلاف في صف الجمهوريين مع الأهالي، كما يقال، لم تتم إعادة تلك الأراضي، واستمر الحال كما هو عليه، والناس تنتظر انتهاء الخلافات في هيئة الرئاسة.
 
يضيف علانه تمخضت الصراعات بوصول علي عبد الله صالح إلى الحكم، وعندها بددت أحلام الأهالي بإعادة الأراضي تدريجياً، وأسس الرجل للنهب عن طريق الهبات، على اعتبار أنها أراضي دولة.
 
من جهة أخرى، عادت سوءات قانون تشجيع الاستثمار بثقلها على أهالي الحديدة، حيث مثل القانون مدخلاً لنهب الأراضي بطريقة قانونية، وتم على إثره صرف مئات الأفدنة لشركات الاستثمار ولتجار، لدرجة أن نافذين من صنعاء صرفت لهم أراضٍ لإنشاء شركات استثمارية، ولم يتم تنفيذ هذه الشركات حتى اليوم، حسب مصادر مطلعة.
 
لكن أهم أسباب التمادي في النهب والوصول إلى القتال على أراضي الغير، هو غياب الدولة، وغياب دورها الذي يفترض أن يكون محورياً عبر سلطاتها في المحافظة وخارجها.