يتوجه الستيني عبده الدبعي كل صباح، إلى مقهى صغير بأحد أسواق دبع الداخل بمديرية الشمايتين في الحجرية جنوب مدينة تعز الواقعة (جنوب غربي اليمن). يحاول ان يعيش ايقاع الحياة بدون تفكير بالماضي.
ملامحه تحكي عن تفاصيل الخسارة فقد تعرض للإفلاس بخسارته محلاته التجارية، قبل عامين، بسبب الحرب، التي فرضت عليه مغادرة المدينة، والعودة إلى قريته التي عاش فيها طفولته.
يتكوم عبده في إحدى زوايا المقهى، بهمومه، بعيداً عن ضجيج الحرب، التي أفقدته كل ما كونه من ثروة طيلة سنوات شبابه.
تحدث الحاج عبده ” للمشاهد” بنبرة خافتة قائلا “بدأت رحلتي من عدن قبل 47 عاماً، في غسل الصحون بأحد المطاعم، ثم وجهت صوب مدينة الحديدة، وفور وصولي إلى هناك عملت في محل تجزئة لبيع الملابس قرابة عام”؛ ويضيف ، متابعاً: “بعدها قام أخي الأكبر باستئجار محل صغير، وقمت بإدارته تلك الأيام، وكان المحل يدر أموالاً هائلة. كان ذلك في زمن الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي”.
يتنهد بحسرة، ثم يواصل حديثه لـ”المشاهد”: “كنت الإمبراطور هناك، وصاحب المحل الوحيد، ثم توالت المحلات، وأصبحت أمتلك 3 محلات أخرى”.
طوال تلك السنوات، عمل عبده مع أبنائه، وأصبح لهم اسم تجاري وصيت، وزادت شهرته في التسعينيات من القرن الماضي.
لكن مع دخول البلاد في اضطرابات سياسية قبل أكثر من 7 سنوات، بدأت القيمة الشرائية للناس تقل، وبدأ اقتصاد البلد ينحدر إلى القاع، فتضرر الكثير من التجار، وأغلقت العديد من المحلات التجارية، وفق روايته، مؤكداً أنه حاول الصمود قدر الإمكان، لكنه أفلس في النهاية، ولم يجد حلاً سوى العودة إلى قريته.
وبتفاؤل يقول: “لدي إصرار بالعودة مجدداً إلى الحديدة، فهي لا تزال فاتحة ذراعيها لي ولجميع رفاق المهنة الذين رجعوا خائبين إلى “دبع”، فيما غادر بعضهم أرض الوطن إلى دول أخرى”.
لم يكن عبده هو الوحيد الذي أجبرته الحرب والإفلاس على مغادرة مدينة الحديدة، بل غادر غيره صفر اليدين، نتيجة للحرب.
رجل الأعمال الأربعيني عبدالجبار الدبعي، هو الآخر، أعلن إفلاسه بداية العام 2015، وعاد إلى منطقته دبع.
يقول لـ”المشاهد”: “لم أكن أتصور أن يحدث معي هذا التغيير، وأن أخسر كل شيء، وأعود حاملاً خيبتي. شعرت بانكسار رهيب، ودخلت بحالة نفسية لا يعلم بها إلا الله. ولكن بعد أشهر بفضل الله تقبلت ما حدث معي، وعدت إلى الحياة بالكثير من الرضا”، مشيراً إلى أنه لم يستسلم، وتوجه للعمل ببيع القات، ولديه أمل كبير بأن الوضع سيعود كما كان، وسوف يعود لعمله في تجارة الملابس مجدداً.
احد الشوارع التجارية التي كانت تعج بالمتسوقين والباعة اصبحت مقفلة بعد اشتداد المعارك
عشرات التجار من أبناء المنطقة تركوا محلاتهم التجارية، وهربوا بأروحهم بسبب اشتداد المواجهات المسلحة بين أطراف الصراع، في مدينة الحديدة ومنهم من تعرضت محلاته التجارية للقصف ودمرت بشكل كامل فمع اشتداد المعارك في الحديدة كانت الكثير من المؤسسات التجارية والمصانع هدف للدمار جراء المعارك العنيفة بين مسلحي الحوثي والقوات المشتركة مسنودة بغارات طيران التحالف .
وأكدت مصادر نقابية في الحديدة، لـ”المشاهد”، أن عدداً من العائلات التجارية العريقة، غادروا المدينة، نتيجة لممارسات الابتزاز من قبل الحوثيين، فعملوا على بيع ممتلكاتهم، وهاجروا للخارج، مخلفين وراءهم كماً هائلاً من البطالة.
وأشارت إلى أن ما يزيد على 30% من تجار الحديدة غادروا خوفاً على أرواحهم، نتيجة الضغوط التي تمارس عليهم من قبل الحوثيين، وعدم مقدرتهم على مواجهة هذه التهديدات والأساليب التي تتبعها الجماعة، موضحة أن مضايقات الحوثيين للتجار ورجال الأعمال في الحديدة، تزايدت مع تقدم قوات الجيش الوطني صوب مدينة الحديدة، وقلة الموارد الرئيسية التي تعول عليها الجماعة في دعم جبهات القتال المختلفة.
وتشهد أسواق المدينة حالة من الهلع، وأزمة خانقة في المواد الغذائية والاستهلاكية، بسبب إغلاق المراكز التجارية الكبرى، وتسريح مئات الموظفين، في ظل استمرار نزوح رؤوس الأموال، إلى خارج المدينة، ولإفلاس بعضهم.
ويرى مراقبون أن تضرّر القطاع التجاري والصناعي في الحديدة لن تكون آثاره الكارثية والسلبية على مدينة الحديدة فحسب، بل على اليمن بشكل عام، كون الحديدة هي الشريان الاقتصادي الهام في اليمن.
وتعد مدينة الحديدة رابع أكبر المدن اليمنية من حيث الأهمية، كما أنها تعتبر مركزاً تجارياً واقتصادياً حيوياً، حيث يوجد فيها المقرات الرئيسية لشركات الملاحة البحرية والشركات الصناعية والتجارية، التي تشغّل آلاف الموظفين والعمّال.
يذكر أن مدينة الحديدة كانت تعرف منذ القدم بمدينة السور، وتعتبر محطة استقطاب لمعظم التجار الذين قدموا إليها في سبعينيات القرن الماضي، من جميع أنحاء اليمن، ومن محافظة تعز على وجه التحديد.