صالح حسن ابو عسر
الاثنين 28 اكتوبر 2019 الساعة 19:10
استثمارات الصين في البنية التحتية في المنطقة العربية ، فرص قائمة ومخاطر أقل كلفة
على نمط الحرفي الصيني الشهير جداً ( لوبان ) وبشكل عقدة صينية تعبر عن كون بكين نقطة ترابط العالم ، افتتح قبل أيام في العاصمة الصينية مبنى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ، وهذا البنك باختصار هو اليد النقدية للصين أو قل:( النسخة
الصينية ل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ) أعتى المؤسسات النقدية على الكوكب والتي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية .
فمنذ الانطلاقة السريعة لمشروع الحزام والطريق تدرك الصين أن خبرتها التراكمية في مجال تشييد
مشاريع البنية التحتية بالإضافة للفائض المالي الناتج عن ترجيح كفتها في الميزان التجاري عاملين يمنحانها أفضلية مطلقة عند اقتحامها سوق الاستثمارات في البنى التحتية للبلدان النامية أو الأقل نمواً .
وقد أثبتت السنوات الست من عمر طريق الحرير الجديد صواب هذا التنبوء إذ أسهمت هذه الرؤية للصين في ولادة مشاريع عملاقة على أكثر من جغرافيا .
وبالقدر الذي وفرت هذه المشاريع أساساً تنموياً واقتصادياً للبلدان المستفيدة فقد وفرت للصين تمدداً جيوبولتيكياً ( جغرافياً وسياسياً ) يمنحها أكثر من مجرد موطئ قدم خلال العقدين القادمين .
ففي الوقت الذي أصبحت أغلب دول العالم إن لم تكن أجمعها مدركة ل ( أفخاخ الديون ) التي ينتهجها كلاً من :
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، تبدو العروض الصينية في هذا المجال أكثر قبولاً إذ تطرح الصين مبدأ : ( حلول مربحة للجميع ) عندما تعرض عليك كحكومة أن تبني لك سكة حديد أو ميناء أو شبكة اتصالات سلكية أو لا سلكية أو حتى مطار مقابل
أن تستعيد تكاليفها مضافاً إليها أرباحها من عائدات المشاريع نفسها عبراتفاقية تحدد الآلية والنسب والفترة الزمنية المحددة .
هذا العرض يبدو مغرياً جداً للبلدان التي تعاني فقر بنى تحتية حاد إذ يبدو الأمر كما لو أن سكة حديد أو ميناء نبت على أرضك فجأة وفق معادلة : ( لم يكلفني شيئاً ، لكنني لا أستطيع استثماره كما أشاء ) على الأقل لفترة زمنية معلومة هي الفترةالموقع عليها في الاتفاقية .
هذه المعادلة على صعوبتها ورغم تبعاتها التي تجعلك أقل سيادة على مؤسسات مركزية في بلدك وتمنح الدولة المانحة يداً قد تمتد لأكثر من حدود هذا المشروع إلا أنها حلاً مقبولاً لحالة مثل حالتنا اليمنية إذ ستكون سنواتنا التي تلي مرحلة الاقتتال هذه هي سنوات حاجتنا الماسة لمشاريع رئيسية تمكنا من البقاء وتحريك العجلة إن أردنا .
وفي الوقت الذي نسعى للحرص على التشجيع للدخول في شراكة مع الجانب الصيني في أمور كهذه إلا أنه لا بد من الانتباه لعدد من الأشياء التي أصبح الصينيون بارعين فيها كنتيجة طبيعية لتجربتهم الثرية في هذا الأمر ولقدرتهم التفاوضية الفطرية أيضاً ، هذه الأشياء تتلخص في ملحقيات أي اتفاقية يتم ابرامها معهم ، فالخطوط الواضحة والرئيسية في العقود الصينية غالباً ما تكون جيدة ومناسبة لكنها لن تخلو من ملحقات مشروطة مثل:
ضرورة أن تكون العمالة صينية أو المعدات صينية ، ... وغيرها من التفاصيل التي نعتبرها للوهلة الأولى أموراً بسيطة بينما مكمن الربح والاستفادة من هذه المشاريع يختبئ فيها ، وهنا يجب أن تظهر القوة التفاوضية والقدرة على الخروج باتفاقيات أكثر وضوحاً وبما يضمن استفادة أعلى .
إن الانطلاق من المبدأ الذي ينطلق منه الصينيون في هذا المجال وهو مبدأ : ( الاستفادة الاستراتيجية ) الذي تلخصه العبارة الصينية: ( بإمكانك البناء الآن وستأتي العوائد لاحقاً ) يعتبر أساساً يمكن البناء عليه إذ يجب أن لا يجعلك فقرك الحاد في البنى التحتية تقبل بأي اتفاقية بغض النظر عن شروطها الملحقة لأن هذا وإن كان منقذاً على المدى المتوسط قد يكون خانقاً على المدى البعيد .
إن دخول بنك الاستثمارات الصينية للبنى التحتية سوق التنافس في الشرق الأوسط عامل إيجابي أكثر منه مصيدة ديون جديدة إذ سيقدح شرارة التنافس مع عملاقي الإقراض الدوليين بما يتيح المجال أمام إمكانية تقديم عروض تمويل ذات نسبة فائدة أقل في مجملها وعلى مدى فترة زمنية أطول وهو ما تطمح إليه حكومات الدول التي أرهقتها مشنقة الديون وانتهازية الدائنون .