صالح حسن ابو عسر
الثلاثاء 30 يوليو 2019 الساعة 20:18
أكبر من النفط وأوسع من الموانئ ( مستقبل الدور الصيني في المنطقة العربية )
أكبر من البترول وأوسع من الموانئ ،
مستقبل الدور الصيني في المنطقة العربية
لم يعد التننين حذراً في تحركاته على الملعب العربي ولم تعد سياساته محدودة على الجانب التجاري والاقتصادي فقط ،بل تعداها إلى السياسة الشاملة جاعلاً من التجارة والدبلوماسية والتعاون العسكري مرتكزات سياساته المالية وتوجهاته المستقبلية متجاوزاً بذلك الكثير مما كان يعتبر حواجز يستحيل تجاوزها .
النزعة الإيديولوجية القديمة لصين ( ماو تسي دونغ ) التي انحازت بشكل واضح لدعم الحركات التحررية في المنطقة ودعم الأنظمة ذات التوجه الشيوعي بشكل صريح لم تعد قائمة اليوم بل حل محلها نظرية جديدة صارت الصين بواسطتها تتعامل مع الأنظمة بغض النظر عن إيديولوجيتها مستندة على رأي ل عرّاب النهضة الصينية الحديثة الراحل ( ديينغ شياو يينغ ) الذي قال أنه لا يهتم فيما إذا كان لون القطة رمادياً أم أبيضاَ ما دامت قادرة على اصطياد فأر .
إذاً لا يهم لون النظام طالما يمكننا عقد تفاهمات واتفاقات مفيدة معه ، لم يعد الصينيون مهتمين بهكذا ألوان إلى درجة أن مواقفهم من كثير من الأحداث في منظقتنا تبدو بلا لون ولا اتجاه .
بالإضافة لتجاوزها عقبة الموروث الإيديولوجي تتغلب الصين بذكاء وبالتدريج على عائق السيطرة الجيوسياسية المطلقة للولايات المتحدة التي امتدت طوال العقود الماضية ، فدور الصين يتنامى كلاعب جيوسياسي مؤثر في المنطقة مع حرصه على عدم تكرار تجربة ( أثينا- اسبرطه ) التي تلخص تصادم قوتين إحداهما صاعدة والأخرى مسيطرة ، لذا نلاحظ الكثير من الصيغ التشاركية في الخطاب الصيني الذي يحرص على الابتعاد عن لغة الأنا – في الوقت الحالي على الأقل – حتى لا يبدو مشروعه وطموحه كما لو كان مجرد منافس أو خصم للمشروع الأمريكي ، لهذا نجد تبني الصين لرؤية ( التناغم الدولي والمصالح المشتركة ) لتدين – ولو ضمنياً – اللغة الاستعلائية للسياسة الأمريكية القائمة على مبدأ ( مصالح أمريكا فقط ) والتي جعلت من النفط الحبل السري الوحيد الرابط بين أمريكا والخارطة العربية وبالتالي نجد شينغ جينغ بينغ – الرئيس الصيني الحالي – يردد مقولة ( الحلول المربحة للجميع ) في كل مناسبة تحضر فيها العلاقات العربية الصينية .
تتجه الصين إلى المنطقة العربية تحت تأثير إحتياجاتها المتزايدة لإمدادات الطاقة والمواد الخام بما يتناسب والنمو المتسارع للاقتصاد الصيني ، وفي حين يدفعها مبدأ أمن الطاقة -الذي يعد أمناً قومياً عالي الحساسية في الجانب الاقتصادي – نحو رقعتنا الجغرافية ، تحمل معها أسلحتها المتمثلة في الفائض المالي الكبير الذي تحرص على استثماره في مشاريع ذات كثافة عُمالية باعتبار هذه المشاريع أسرع أثراً في اقتصاد الدول الشريكة ومعها أيضاً فائض الخبرات والتكنولوجيا والرغبة العربية في إيجاد شريك أكثر تفهماً وأقل استعلائية وخاصة بعد المواقف الترامبية الانتهازية الأخيرة بحق الدول النفطية في المنطقة ، بالإضافة لحاجة بلدان كاليمن وسوريا وليبيا لتجاوز مرحلة ما بعد الحرب التي لن تكون أبدية حسب التعبير الصيني الدارج .
وبقليل من الملاحظة نرى أن الصين تتجنب التركيز على العوامل التي يركز عليها الغرب والجانب الأمريكي بشكل خاص ، ففي حين يتمحور الدور الأمريكي حول قضية الأمن وما يترتب عليه من تدخلات وتجاوزات عسكرية يركز الجانب الصيني على مبدأ التنمية كمحور رئيس لتحركاته الحالية ، ففي الوقت الذي تُبنى قواعد عسكرية أمريكية في أكثر من مكان على هذه الرقعة تتجه الصين إلى الاستثمار في المطارات والموانئ مع حرصها على الحصول على بطاقات عبور عسكرية كما حصل معها في جيبوتي مثلاً ، ويتحرك الفريق الصيني بناءً على قناعاته بأن الدور المستقبلي على هذه الجغرافيا صينياً أكثر فمن وجهة نظره أن واشنطن حالياً عالقة في الصراعات الوقتية بما يجعلها ضعيفة أكثر ل لعب دور أكثر تأثيراً في المستقبل ، وسواءً اتفقنا أم اختلفنا مع وجهة النظر الصينية هذه إلا أنه يجب علينا الايمان بحتمية الصعود الصيني وحتمية تأثيره المستقبلي في المنطقة ، وما يتطلبه هذا الواقع منا هو دراسة كيفية الاستفادة منه كما يجب مع الحرص على عدم الوقوع في فخ الارتهان الذي طالنا على مدى عقود النفط ، ومع إيماننا بأن الدور الصيني المستقبلي سيكون دوراً إيجابياً إن نحن أحسنا استغلاله إلا أن هناك الكثير من القضايا التي سيؤدي إغفالها إلى نتائج عكسية لعل أبرزها ( الإغراق التجاري ) الذي بدأت ملامحه مبكراً وقد يصبح أكثر تأثيراً إن لم يتم تنظيمه وتقنينه .
يلزمنا التخلص من فوبيا الشرق التي تحرص الأنظمة الغربية على نفخ روحها بداخلنا بين فترة وأخرى بحيث تنتظم العلاقات الصينية العربية المستقبلية على أسس الفائدة للجميع بعيداً عن التدخلات في تشكيل السياسات الداخلية للبلدان .