صالح حسن ابو عسر
السبت 13 يوليو 2019 الساعة 14:35
‎مشروع القرن (اليمن في عمق الخارطة) ‎
صالح حسن ابو عسر


‏نظرياً تمثل جغرافيا الجمهورية اليمنية نقطةً استراتيجيةً ضمن مخطط (الحزام والطريق ) الذي تتبناه الصين منذ العام 2013 م ‏متكئةً على كونها إحدى أهم البوابات التي يمكن من خلالها الاتجاه جنوباً إلى القارةِ السمراءِ التي تحوي ملايين الكيلومترات المربعة المتخمة بأهم احتياجات كوكبنا من المواد الخام للقرنين القادمين ‏، أو الاتجاه شمالاً إلى الخليج العربي -المخزن الحراري لتوليد الطاقة و أحد أهم المستودعات لتصريف المنتجات صينية الصنع - هذا نظرياً . 
أما عملياً  فاليمن هي الدولة العربية الآسيوية  الوحيدة التي لم تنظم رسمياً بعد إلى مشروع القرن (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ) والسبب ليس الوضع السياسي والاقتصادي للبلد ولا عدم اهتمام الجانب الصيني بإدراج اليمن  ضمن المشروع بل السبب ببساطة بلادةً دبلوماسيةً وجهلاً استراتيجياً  تنعم به السياسة الخارجية لحكوماتنا  المتعاقبة .
‏في نوفمبر 2013 م دعى الرئيس الصيني شي جينغ بينغ الرئيس هادي لزيارة بكين وهو نفس العام الذي شهد إطلاق الرئيس الصيني لمشروع القرن (الحزام والطريق ) ، وبعد هذه الزيارة أصيبت الدبلوماسية اليمنية بإمساك شديد في ما يتعلق بالاتجاه شرقا .
ما عدا التوقيع على مشروع توسعة ميناء الحاويات و مشروع شركة هواوي لإنشاء بوابة دولية للاتصالات  في عدن لم تُبذل أية مساعٍ حقيقية من الجانب اليمني لاستثمار الطموح الصيني بما ينعكس إيجاباً على واقع الاقتصاد اليمني .
أكثر من خمس سنوات غيّر  طريق الحرير الجديد توجه استراتيجيات مدن ودول بأكملها فيما ‏اكتفت الحكومة اليمنية بتوقيع مذكرة تفاهم مع الجانب الصيني في ابريل المنصرم، مجرد مذكرة تفاهم وليس كما روج حينها الإعلام الرسمي بأنه (اتفاق تاريخي بين اليمن والصين )
في ال5 سنوات الماضية ارتهنت سياستنا الداخلية والخارجية بشكل مُذل لإملاءات الجانب السعودي الذي بطبيعته يميل للإيمان بأن هذا المشروع ليس سوى الوجه الناعم لآلية  تصدير النموذج الصيني ورؤية ( الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ) وهي الفزاعة التي ما تردد البيت الأبيض أبداً من نفخها أمام ابن سلمان الذي أفاق متأخراً على حقيقة أن مشروع الحزام ‏والطريق في طريقه لإضافة متغيرات جديدة على المتراجحة القائمة حالياً في المنطقة  ولم يجد بداً  من التوجه إلى بكين للاستسلام لموجة الحزام ولو تحت عباءة (دمج مشروع 2030 مع مشروع شي جينغ الطموح ).
‏مثّل توجه -الإصلاح والإنفتاح -نافذة جيدة على سور الصين يُطل منها الصينيون على العالم الذي مل أُحادية القطب ورأى في طموح الصين وقوتها الاقتصادية وسياستها المبنية على مبدأ تبادل المصالح بديلاً مقبولاً لآلية الهبوط الخشن الذي تنتهجها الولايات المتحدة لفرض مزاجها .
لم تَعُد (الحزام والطريق ) مجرد رداً صينياً  على معاهدة التجارة الحرة (التجارة عبر الهادي)  التي تبنتها أمريكا و ضمّت لها  كل دول شرق آسيا عدا الصين ،بل تجاوزت ذلك إلى كونها أعظم المشاريع الإقتصادية وأعلاها ميزانية خلال القرن .
يكفي ‏أن نعرف أن خارطة  هذا المشروع تضم 4.5 مليار نسمة أي ما يعادل 64% من سكان الكوكب .
وبأن سياسة الصين للسنوات القادمة تتمحور حول هذا المشروع الذي يمر الآن بمرحلته الثانية (مرحلة التخطيط الاستراتيجي 2016 -2021 ) مُكملاً  المرحلة الأولى (التعبئة الاستراتيجية 2013 -2016 )ومستعداً للمرحلة النهائية (التطبيق الاستراتيجي 2021 - 2049 ).
في المرحلة الحالية للمشروع مازالت الفرصة قائمة وما زال طريق الحرير سالكاً بين (المخا ) و (كانتون)، ‏ومازال السفير الصيني العاشق لليمن (كانغ يونغ ) يرددُ : (نؤمن أن الحرب ستنتهي في اليمن ونأمل  في شراكة قوية مع الجانب اليمني ترقى لمستوى العلاقة التاريخية بين البلدين ) .
وما تزال السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية مُعرضة عن مشروع القرن بطريقةٍ لا نجدُ لها تفسيرا . 
صالح أبوعسر