أ. محمد الدبعي
هزة قلم! الحب.. العشق.. والزواج!
قيس وليلى، قيس ولبنى، جميل وبثينة، عنتر وعبلة
إمرؤ القيس وفاطمة… الخ
هؤلاء الرجال عشقوا حتى الثمالة، وخارت قواهم، وانهد مراسهم لقوة حقن الحب التي تلقوها، فجن جنونهم لأنهم لم يظفروا بالمحبوبة إلى درجة أن بعضهم غادر حياة القوم وعاش متيما هائما كما كان الحال مع مجنون ليلى قيس بن الملوح:
أمر على الديار ديار ليلى … أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي … ولكن حب من سكن الديارا.
وهام امرؤ القيس على وجهه في البراري والقفار، وهو الذي أنشد يقول مخاطبا جواده ورفيقه:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل … بسقط اللوى بين الدخول فحومل.
وعنترة بن شداد ينشد في معلقته فيقول:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي … وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
ولقد ذكرتك والرماح نواهل … وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها … لمعت كبارق ثغرك المتبسم.
وفي زماننا المعاصر كان هناك محبون وعشاق كثر، نخر الحب أرواحهم إلى الحد الذي يضطر معه أحدهم إلى الاستعانة بلوحة فنية حتى ينسى أكبر قصة حب عاصفة في حياته.
إنه الأديب الكبير عباس محمود العقاد الذي عاش أعزبا ومات وحيدا....
الحب العاصف
عاش الأديب الكبير عباس محمود العقاد معظم حياته وحيدا، لكن قلب هذا المبدع الكبير قد ذاق طعم الحب أكثر من مرة، حيث كان له في الحب ثلاث تجارب كبيرة على الأقل، فكانت التجربة الأولى هي حبه للأديبة مي زيادة، وكان حبا هادئا ليس فيه عنف ولا توتر.
الحب الثاني في حياة العقاد كان حبا عنيفا، ولكنه انتهى نهاية حزينة جعل العقاد يقول عن نفسه: إن الناس الذين يشيرون لي بأصابعهم لا يعلمون أنني من أشقى الناس وأتعسهم.
ولقد كتب العقاد قصة هذا الحب في روايته الوحيدة (سارة)، وجاءت النهاية الحزينة لأن العقاد امتلأ بالشك في حبيبته وظن أنها تخدعه وتخونه مع غيره، ولم يحتمل علاقة تعاني من الشك، فانقطعت الصلة بين الحبيبين، وكان اسمها (اليس).
الحب الثالث: بعد أن انتهت قصة «اليس» تعرف على فتاة سمراء جميلة تدعى مديحة يسري الممثلة الجميلة الساحرة وقتها ووقع في حبها في قصة استمرت سنوات لم تتم فصولها وانتهت بالفراق المر، ما انعكس سلبا على نفسيته.... فقد تعرفت هذه الحبيبة على النجم السينمائي أحمد سالم، فاختطفها فورا للعمل في السينما وتزوجها بعد ذلك.
لوحة للنسيان
دخل العقاد في معركة هائلة مع نفسه وعواطفه، فلا هو قادر على أن ينسى حبيبته، ولا قادر على أن يتقبل وضعها الجديد ويرضى أن يكون واحدا من المعجبين. وكما روى عنه صديقه الفنان صلاح طاهر يقول: ذات مرة كنت مع الأستاذ العقاد في شقته، ودخلت غرفة لأتحدث في الهاتف، فناداني بلهفة. رجعت اليه فوجدت الدموع في عينيه، فأخبرني أنه ينتظر على أمل أن تتصل به محبوبته الممثلة التي قاطعها منذ أربعة شهور. ووجدت مدى تأثره بفراقها على رغم قدرته الخارقة على التحمل والكتمان وتناقشنا في كيفية نسيانها، واقترح عليّ أن أرسم لوحة فنية عبارة عن تورتة شهية جدا وقد تهافت عليها الذباب، وبالفعل أنجزت اللوحة المطلوبة ووضعها العقاد على الحائط مقابل سرير نومه، وكلما استيقظ رأى اللوحة التي ساعدته على نسيان أكبر قصة حب في حياته. وأذكر أنه في تلك الفترة كتب قصيدة «يوم الظنون» والتي يقول فيها:
وبكيت كالطفل الذليل أنا الذي
ما لان في صعب الحوادث مقودي!
فما الحب عند الأديب الكبير؟
لقد كتب الكثير عن الحب :
- هذي الليالي الدنيوية نفحة ... من عالم الملكوت والأعراف
لولا النعيم بها لما خطرت لنا ... مُثلُ النعيم بجنة ألفاف.
-أتحلمين بشيء كامل أبداً ... أتم من عالم في قلب حبيب؟
- إنما الحب شراب عاصف ... يسكر الراوين منه والظماء.
فما أدري أيها السادة
أي خير ناله المحبون والعشاق؟؟؟!
ولا أدري هل ألعن الحب؟
أم المحبين؟ فألحقهم بالفساق؟!
الرجال أم النساء؟
ألعن الغدر أم الوفاء؟
الصدق أم الهراء؟
هل ألعن الزمن أم أهل الزمان؟؟؟
أهل الحب.. اهل العشق.. والخذلان؟
سجل استغرابك أيها القاريء.. وغضبك أيها العاشق!
وانقدني كما تهوى!
ضع ما شئت من أسئلة، وابحث لها عما شئت من إجابات أو فتوى!
إرفع كيفما شئت واخفض كما تريد!
إخلط الأوراق، ثم أعد فرزها كم مرة شئت!
وابدأ من جديد!
ستخرج في النهاية بحصيرة؟
مرسوم عليها قصة قصيرة؟؟
تلخص الأمنية الأخيرة
في حكاية الأمير والأميرة
البطل هو الضحية!
هو المكلوم.. هو الجريح.. والأضحية!
لن تجد جريحة أنثى
فذاك من عجائب الدنيا!
فلا للحب
لا لعشق يتجاوز حدوده
مع امرأة.. ينسف معاني الرجولة!
كم قصيد كتبنا في الحب وكم أشعار!
وكم سفحنا خيالاتنا في بحور العشق والإبحار
كم سهرنا من ليال
وكم سبحنا في الخيال...
أوهام وآمال
لا أمان.. لا عهد لحواء
لاحب.. لا تضحية.. لا وفاء!
سحابة عابرة
حسرة.. خلود في الشقاء!
النساء كإبل عشرة الاف تكاد تجد فيها الوفية.
لا ننادي أيها الشباب بالعزوبية، ولا نحارب الحب، ولكننا لم نعد نقدسه، وإنما نقول تزوجوا فهي سنة نبيكم، وحبوا يسيرا.. بمقدار.. أيها الرجال إن كنتم تنشدون الراحة الحقيقية في الدنيا!
أ. محمد الدبعي