أ. محمد الدبعي
يحكى أن أحد الخلفاء استدعى شعراء مصر، فصادفهم رجل فقير يحمل جرة، فسار معهم إلى ديوان الخليفة. فبادر الخليفة في إكرامهم والإنعام عليهم. ولما وقعت عين الخليفة على صاحب الجرة سأله من أنت وما حاجتك؟ فأجابه الرجل:
ولما رأيت القوم شدوا رحالهم ... إلى بحرك الطامي أتيت بجرتي!
فقال الخليفة املأوا جرته ذهبا. فحسده بقية الشعراء وقالوا للخليفة: هذا رجل فقير لا يعرف المال، ولربما لا يحسن التصرف فيه. فرد عليهم الخليفة: هو ماله يفعل به مايشاء! فانصرف الفقير، ولما كان في الخارج وزع كل المال على الفقراء المتجمعين. فبلغ الخليفة خبره فاستدعاه وسأله: لم فعلت هذا بالمال الذي أعطيناك؟ فرد الفقير:
يجود علينا الخيرون بمالهم ... ونحن بمال الخيرين نجود!
وقع رد الرجل من الخليفة موقعه وأعجب به، وأمر أن تملأ جرته ذهبا عشر مرات، وقال: الحسنة بعشر أمثالها.
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!
لا يخفى ماعليه حال إخوانكم وأخواتكم في اليمن، حيث وصل بهم إلى أن يأكلوا أوراق الشجر، يفترشون الأرض ويلتحفون السمآء. لقد بلغ بهم الحال ما الله به عليم. فمنهم من تجرأ وخرج يمد يده للناس مظطرا ومكسوفا، ومنهم من ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي يناشد إخوانه المساعدة ومد يد العون لهم، ومنهم من تضور جوعا ولم يعرف عنه أحد.
إبحثوا عن الله في زقاق الفقراء والمحتاجين ومن تقطعت بهم سبل العيش الكريم!
"للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا. وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم!"
أين من يملأ بطون الجوعى، والمشردين؟ ومن يقوم بأمور الأرامل والثكالى واليتامى والمعذبين؟!
أين من يداوي المرضى والجرحى ويؤي المهجرين؟!
أين من يصنع المعروف ليتقي به مصارع السوء؟ ومن يطفيء بسر الصدقات غضب جبار الأرض والسموات؟!
أين الكريم بن الكريم الذي يبذل من حر ماله وليس من فتاته أو باير بضاعته؟؟ ومن يسعى في قضاء دين المديونين وحاجات إخوانه الذين دار عليهم الزمن وجار؟؟؟؟
الناس للناس مادام الوفاء بهم
والعسر واليسر أوقات وساعات
وأكرم الناس مابين الورى رجل
تقضى على يديه للناس حاجات
لا تقطعن يد المعروف عن أحد
مادمت تقدر والأيام تارات
واذكر فضيلة صنع الله إذ جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات!