أ. محمد الدبعي
هزة قلم!.. الوعي المصلفع!
الإنسان كائن عاقل بعقله الواعي!
إذا فقد عقله سمي مجنونا أو مريضا!
قال صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل!
والنائم والصبي والمجنون لا يحاسبون على ما يفعلون ولا يلامون. بل أحيانا يخرجون دررا وينطقون حِكَماً، حتى أني كنت أسمع الاولين يقولون: خذ الحكمة من صبي أو من مجنون!
والمثل العربي يقول: خذوا الحكمة من أفواه المجانين!
أتدرون ماهو الوعي المصلفع؟
هو الذي لا يخدم المجتمع ولا يبني وطنا!
غياب الوعي يشكل المعضلة الأعظم في المجتمع، ذلك أن الوعي كشاف ينير الطريق ويحدد المسار ويكشف الأشياء، ويسلط الضوء على المجهول.
الوعي يا أصدقائي الأعزاء هو فخر الإنسان والمجتمع، وكلما نضج وعي الفرد كلما نضج وعي المجتمع، لذلك تجد علم الإجتماع يتحدث دائما عن الوعي الجمعي، الذي يعكس شكل المجتمع وتفكيره وثقافته.
الوعي ضد الجهل، وكلاهما نسبي التعريف، أي أن كل مجتمع يصيغ وعيه ووعي أفراده بشكل منفرد، وعادات الشعوب ونمط حياتها وفهمها للأشياء تتأثر بالرقي التعليمي للأفراد وبشكل إطرادي. أي أنه كلما ارتفع عدد المتعلمين، ارتفع معه الوعي، وكلما زاد عدد المثقفين، تأثرت بهم الحياة إيجابا.
لكن هذا لا يعني أن كل متعلم واع، وإنما يعني أن لديه حظ من الوعي يتفاوت بتفاوت انفتاحه على العالم، وإدراكه لكنه الأشياء ولحقائق الأحداث الجارية من حوله.
وكم من المتعلمين وخريجي الجامعات والشهادات العليا، لكنهم لا يفقهون إلا ما حفظوه وتعلموه في تخصصاتهم فقط. وهذا يعني أن وعيهم في الحضيض، وبمثل هؤلاء لا تبنى الدول فكريا وثقافيا، بل تظل الأوضاع السلبية المتحكمة في البلد هي هي دون تغيير، وتظل الطغمة الحاكمة زي ماهي: تجهيل وقهر واستبداد للشعوب ودون تجديد.
الإنسان أو المجتمع الغير واعي يظل يتعاطى مع الأحداث بلا مبالاة، بل قد يتعاطى معها سلباً، فيرفض كل جديد يجهله لأن الإنسان بطبيعته عدو مايجهل، بل وينكره. جهل الإنسان بحقوقه المشروعة، التي هي حقوق المواطنة العامة المكفولة بداهة من صحة وتعليم وعمل وأمن وحرية التعبير وحرية التنقل وحرية الفكر الخ..، كل ذلك أدى إلى تخليه عن هذه الحقوق، وإلى أن يرضى بالذلة والمهانة من قبل حكامه، منتظرا منهم أن يشفقوا عليه فيتصدقون بالفتاة، وفي المقابل ينتظرون من المواطن الشكر والإمتنان للحاكم المستبد، في حين أن بطنه وبطن حاشيته محشوة بذهب وأموال الشعب، ويكنزون لأنفسهم الثروات الطائلة الهائلة التي هي بالأساس ملك للدولة والمواطن.
فينشأ المواطنون على هذا الحال، ويتجذر في وعيهم أن الحياة قسمة ونصيب، فتترسخ فكرة الزعيم في أذهانهم فلا ينازعونه ولا يطالبون بحقوقهم المسروقة.
فهذا الصنف من الناس يحمل وعيا مغيبا، أي الوعي المغيب.
أما النوع الثاني فهو الوعي الناقص أو المبتور وذلك حين يظن المتعلم أنه على شيء، وأنه قد وصل إلى مراتب عليا من العلم والفهم، وهو في حقيقته لا يدرك من معانى الحياة إلا المال والشهادات والوظائف وهذا مبلغ علمه عن الحياة، فتجده بعيدا عن قضايا المجتمع والأمة ثقافيا وسياسيا، فلا تجد له دورا يذكر في حركة التنوير والتأثير المجتمعي، فهو إنسان باهت لا يهش ولا ينش، ولا لون له ولا طعم ولا رائحة، بل قد يكون ضرره أكبر لأن كل همه التجميع، والدوران حول نفسه، بمعنى أن مصلحته هي القائدة له، ويدور معها حيث دارت كالحمار يدور حول الرحى، ولا يكترث لحال الوطن والمواطن طالما وهو نفسه بخير.
أما الصنف الثالث وهو أخطرها الوعي المغشوش أو الزائف عندما يظن المتعلم أنه على شيء من الدراية والثقافة والفكر وهو في حقيقته صفر كبير في خانة الوعي والإدراك، لا يدرك من معانى الحياة، ولا يعرف من الأحداث إلا ما كان يتطابق مع مافي مخيلته، بمعنى أنه إنسان جامد فكريا، فتراه ينظّر ويناقش لكنه متعصب لرأيه الخاطيء ومتحمسا للدفاع عنه وبكل الوسائل، ولا يمكن أن يتنازل عن قناعاته أو يبدل فكره مطلقا حتى وإن بدا له أن ما يفعله غير صائب وأن الرأي الآخر أصح وأصوب. فيظل سادرا في غيه وطيشه وفهمه المقلوب. هذا النوع من الوعي الزائف يفرق المجتمع ويدمره منطقيا وفكريا ولا يبنيه.
وهناك صنف رابع، وهذا صنف خبيث يضر ولا ينفع، بل ويضر صاحبه في نهاية المطاف علاوة على المجتمع. هذا الوعي هو السلعة المعروضة للبيع والشراء، بمعنى أن صاحبه يبيع نفسه وفكره المثقف وعقله الواعي ولسانه المتكلم وقلمه المبدع لمن يدفع نقدا، فيستغل ملكاته الثقافية وقدراته الخطابية في الترويج للباطل وأهله على حساب قيمته الإنسانية، ومبدأه ووطنه، فيرضى أن يصنف في خانة الخونة والعملاء والمرتزقة، وتحت مسميات عدة ومتنوعة.
نشعر بالحسرة والحيرة والأسف حين نرى هذه الأصناف من الوعي في مجتمعاتنا، ويعتصرنا الألم.
فغياب الوعي والنظرة القاصرة للمواطن والوعي المزيف ووعي السلعة او الوعي الخبيث تجعل المجتمع يتخلف، والوطن يتلف. وما نحن عليه اليوم من وضع بائس، وما نراه من مآسي، وما ينتظرنا من مستقبل معتم إلا بسبب هذه الأصناف من الوعي أو بسبب الوعي المصلفع.
ولا يعدم الوطن المثقف الواعي المخلص الوفي لشعبه ووطنه وأمته، لكن الفئة الغالبة هم أولئك!
فليراجع كل منا نفسه، وليعد حساباته، ولا يتشدق بوطنية زائفة تكذبها أفكاره، وتدوسها سلوكياته المنحرفة!
وكل ذي لب يشقى بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم!