الرئيسية
أخبار محلية
عربي ودولي
اقتصاد
رياضة
الأسرة
تكنولوجيا
فن
تقارير
تواصل معنا
د.عبدالغني علي السبئي
الاربعاء 4 مايو 2016 الساعة 01:44
هجرة الكفاءات العلمية العربية وأثرها علي التنمية.
تعتبر ظاهرة هجرة الكفاءات العلمية العربية وخبراتها الفنية إلى الخارج واحدة من أخطر ما تعاني منه الدول العربية في الوقت الراهن. فهي تقف حاجزاً كبيراً في طريق التنمية العربية.
إذ تسبب هذه الهجرة بخسائر مادية للدول العربية بالإضافة إلى استنزاف الثروة البشرية التي لا تقدر بثمن، بل الثروة الأغلى من بين العوامل الضرورية للنهوض بتنمية حقيقية متينة الأسس، قابلة للتطور والاستمرار. والهجرة ظاهرة قديمة وبالرغم من وجود الأسباب الكثيرة التي تدفع بالمهاجرين إلى الانتقال من الدول الفقيرة إلى الدول الفنية إلا أن مثل هذه الهجرة ليست هي المقصودة بكلامنا عن هجرة العقول أو الكفاءات التي كانت وما تزال تسبب الأزمات الاقتصادية لبلدان العالم الثالث .
ويقصد بهجرة العقول : نزوح جملة الشهادات الجامعية والعلمية والتقنية كالعلماء والأطباء والمهندسين والتكنولوجيين والباحثين وأصحاب المهارات والمخترعين …. الخ الذين كان يعّول عليهم في فهم التكنولوجيا الحديثة ونقلها من مصادرها الأصلية وتطبيقها للإفادة منها في تقدم الدول النامية"
وبعبارة أخرى فهجرة العقول تعني انتقال رأسمال اقتصادي من البلدان العربية إلى الخارج وهذا الرأسمال هو الرأسمال البشري المثقف .
إن هجرة الكفاءات العلمية تعتبر أحد المعوقات الرئيسة لعملية التنمية والتقدم العلمي والتكنولوجي في البدان العربية، فهذه الكفاءات العلمية هي دعامة التنمية وعوامل دفعها, وهي الأساس في كل تحديث وتطوير. والقاعدة الأساسية العريضة لتطوير وتقدم العلوم والتكنولوجيا في البلدان النامية عامة والبلدان العربية خاصة. وهي أحد أهم عناصر الإنتاج التكنولوجي، لذلك فقد أطلق عليها بعضهم اسم النقل المعاكس للتكنولوجيا . فهذه الهجرة تسهم في "إبقاء المجتمع العربي على حالة من التخلف والتبعية في سياق من مرور العرب في مرحلة تتسم بتحديات حضارية كبرى تتمثل في تطور الغرب مادياً وتقنياً ومعلوماتياً. وتخلف العرب في هذه المجالات، إن هجرة العقول والكفاءات العلمية إلى الدول الغربية يزيد من عمق المفارقة إذ إن هذه العقول تشكل مساحة لا يستهان بها في آلية التقدم العلمي والتقني في الغرب. فالأدمغة المهاجرة من العالم العربي التي تكلف بلدانها الأصلية خسائر مادية هائلة تغذي الغرب بطاقة بشرية متجددة في الوقت الذي تورث التخلف في الداخل على مختلف الصعد.
ولاشك أن هذه الهجرة تؤدي إلى اتساع الفجوة بين الدول الصناعية المتقدمة وتقنيتها المتطورة، وبين الدول العربية وأوضاعها البدائية. لأنه كما ذكرنا, فإن هذه الكفاءات العلمية والخبرات الفنية هي القاعدة الأساسية العريضة لإحداث التطوير والتحديث والتقدم التكنولوجي، وهي التي تخطط للتنمية وتعمل على تنفيذها .
وفي الوقت الذي استفادت فيه الكثير من الدول الغربية من امكانات هذه العقول أو الكفاءات العلمية العربية المهاجرة لدفع عجلتها العلمية والصناعية والاقتصادية والاجتماعية إلى الأمام .
استنزفت الدول العربية من كفاءة مثل هذه العقول, وفي الوقت الذي شجعت فيه الدول الغربية على استقطاب العقول لم تقم الدول العربية إلا بالنذر اليسير لجذب عقولها المفكرة والاستفادة من إبداعاتها التي فقدتها.
ولكي ندرك أبعاد هذه الظاهره أو المشكلة وخطورتها على واقع البلدان العربية ومستقبل عملية التنمية فيه قد يبدو مفيداً أولاً إيراد بعض الأرقام والحقائق حول هذه الظاهرة.
- أشار تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي لعام 2014إلى أن أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة مهاجرين, ويعملون في الدول المتقدمة ليسهم وجودهم في تقدمها أكثر ويعمق رحيلهم عن الوطن العربي أثار التخلف والارتهان للخبرات الأجنبية .
ويذكر التقرير أن عدد حملة الشهادات العليا فقط من العرب المهاجرين إلى أميركا وأوروبا يبلغ 450ألف عربي, ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا توفر مليارات الدولارات نتيجة لهجرة العقول والمهارات إليها, إذا لم تتعب هذه الدول لتنشئة وتدريب هذه العقول , ولم تتكلف عليها فيما تحمل الوطن العربي كلفة تنشئتها وتدريبها , وهكذا يذهب إنتاج هذه العقول الجاهزة ليصب مباشرة في إثراء البلدان المتقدمة, ودفع مسيرة التقدم والتنمية فيها فيما يخسر الوطن العربي ما أنفقه ويخسر فرص النهوض التنموي والاقتصادي التي كان يمكن أن تسهم هذه العقول في إيجادها.
كما تشير الإحصاءات المأخوذة من الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو وبعض المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بهذه الظاهرة إلى الحقائق الآتية:
يسهم الوطن العربي في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية .
إن 50% من الأطباء و 23% من المهندسين 15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون إلى أوربا والولايات المتحدة وكندا بوجه خاص
إن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالى 34% من مجموع الأطباء العاملين فيها.
إن ثلاث دول غربية غنية, وهي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75% من المهاجرين العرب, بل أكثر من ذلك قامت بعض الدول الغربية بمنح جنسياتها للعقول العربية المهاجرة حتى يكون هناك نوع من الولاء والانتماء لها.
يهاجر 100000من العلماء والمهندسين والأطباء والخبراء كل عام من ثمانية أقطار عربية (سوريا – لبنان – العراق – الأردن – مصر – تونس – المغرب – الجزائر ).
بلغت خسائر الدول العربية التي ترتبت على هجرة عقولها حوالى 200 مليار دولار.
وهذه الأرقام تدل على أن المجتمعات العربية أصبحت مناخاً طارداً للإبداع والكفاءات العلمية العربية وليست جاذبة لها. وبفعل هذه الهجرة فقد حرم الوطن العربي من الاستفادة من خبرات ذي الكفاءات ومعارفهم في الوقت الذي تشتد فيه حاجة العرب إلى مثل هذه الخبرات والكفاءات والكوادر المهاجرة القادرة على تطوير الدول العربية علمياً واقتصادياً .
الآثار السلبية لهجرة الكفاءات العلمية العربية على الدول العربية :
لا تقتصر الآثار السلبية لهجرة الكفاءات العلمية العربية على واقع ومستقبل التنمية في الوطن العربي فحسب، ولكنها تمتد أيضاً إلى التعليم في الوطن العربي وإمكانات توظيف خريجيه في بناء وتطوير قاعدة تقنية عربية.
ومن أهم الآثار السلبية لهجرة الكفاءات العلمية العربية (العقول العربية) :
-1ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية والعلمية لهذه العقول العربية التي تصب في شرايين البلدان الغربية, بينما تحتاج التنمية العربية لمثل هذه
العقول في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي والتكنولوجي.
2-مع ازدياد معدلات هجرة العقول العربية إلى الغرب يزداد اعتماد غالبية البلدان العربية على الكفاءات الغربية في ميادين شتى بتكلفة اقتصادية مرتفعة ومبالغ فيها في كثير من الأحيان.
-3 ضعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحثي في البلدان العربية بالمقارنة بالإنتاج العلمي للعرب المهاجرين في البلدان الغربية.
-4تبديد الموارد الإنسانية والمالية العربية التي أنفقت في تعليم وتدريب الكفاءات التي تحصل عليها البلدان الغربية دون مقابل.
وبعبارة أخرى, فان نتيجة لهذه الهجرة تتحمل البلدان العربية خسارة مركبة ومضاعفة تعد إهداراً لما أنفق من أموال على إعدادها تعليمياً وصحياً وفقدان مساهمتها في التنمية، واللجوء إلى بديل غربي (غير عربي ) ذي تكلفة عالية جداً لسد النقص في الكفاءات العلمية.
-5 إن هجرة الكفاءات العربية إلى الدول المتقدمة تؤدي إلى توسيع الفجوة التكنولوجية فيما بين هذه الدول, لأن هذه الكفاءات المهاجرة تقدم للدول المتقدمة فائدةً ومردوداً اقتصادياً مباشراً. كما أن التكنولوجيا التي اخترعها أو أسهم في اختراعها العلماء العرب المهاجرون تعتبر ملكاً للدولة الجاذبة وخسارة للدول العربية. هذا من جهة ومن جهة أخرى تشكل خسارة للبلدان العربية, لأن هذه الكفاءات العلمية المهاجرة كما ذكرنا تعتبر القاعدة الأساسية العريضة لتطوير وتقدم العلوم والتكنولوجيا العربية, وكان يعول عليها في فهم التكنولوجيا ونقلها من مصادرها الأساسية وتطبيقها لتحقيق التقدم التكنولوجي في البلدان العربية .
أسباب هجرة الكفاءات العلمية العربية :
مما لاشك فيه أن هجرة الكفاءات العلمية العربية يعبر عن وجود خلل ما في الحياة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو التعليمية . أو بعبارة أخرى هناك عوامل وأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية تعتبر بمنزلة عوامل طرد للكفاءات العربية ومن أهم أسباب هجرة الكفاءات العلمية العربية أوردها هنا :
-1عدم توفر الحرية الأكاديمية والاهتمام بتطوير البحث العلمي, وهذا واضح من خلال قلة المبالغ المخصصة للبحث العلمي, وتحديث مناهج التعليم أو بعبارة أخرى عدم توفر البيئة العلمية الملائمة للبحث العلمي, فهناك نقص واضح في المراجع والدراسات العلمية والأكثر من ذلك هو في كثير من الأحيان عدم توفر الأجهزة والأدوات اللازمة للبحث العلمي. كما أن نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير العلمي في البلدان العربية ككل لا يزيد عن دولارين فقط بينما يصل إلى( 111دولاراً) في الدول المتقدمة.
-2 البطالة بين خريجي الجامعة, وذلك لعدم وجود تناسب بين التعليم وحاجات سوق العمل ومتطلباته.
-3 أنخفاض مستوى الدخل ورواتب الكفاءات العلمية العربية في البلدان العربية وعدم كفاية المردود المادي لحياة لائقة, مما دفع الكفاءات العلمية إلى الهجرة لتحقيق مستويات معيشة أفضل نظراً لارتفاع الرواتب و الأجور في الدول الغربية .
4-عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب, وبعبارة أخرى يتم تعيين الكفاءات العلمية بوظائف لا تتناسب مع خبراتهم و اختصاصاتهم أي أن العديد من الكفاءات لا تجد ذاتها في مجال عملها، هذا من جهة ومن جهة أخرى يتم التعيين في المناصب الإدارية الحساسة ليس على أساس الخبرة والدراسة العلمية, وإنما على أساس المحسوبية– الواسطة
5-أسباب سياسية تتعلق " بالضغط السياسي والاضطهاد وكبت الحريات و اضطهاد المثقفين، وانعدام الأمن والاستقرار و الحجرعلى حرية الرأي ونقص أو انعدام الديمقراطية. مما يدفع الكفاءات العلمية بالهجرة إلى الدول الغربية التي تتمتع بالديمقراطية وحرية الرأي وأضف إلى ذلك فإن عدم الاستقرار السياسي و الحروب تشكل عاملاً مهماً في هجرة الكفاءات إلى الخارج .
-6 عدم وجود تناسق بين خطط التنمية من ناحية والإنتاج والبحث العلمي من ناحية أخرى.
7-البيروقراطية الإدارية والأعمال الورقية التي تسلب المختصين أوقاتهم وجهودهم التي كان يجب أن يخصصوها لبحوثهم العلمية.وأضف إلى ذلك الروتين والتعقيدات في العمل .في معرض حديثنا عن أسباب هجرة الكفاءات العلمية العربية يجب أن لا ننسى ال
لا ننسى الحوافز أو ما يسمى بعوامل الجذب التي تقدمها الدول المتقدمة التي تغري الكفاءات العربية للهجرة إلى هذه الدول.
حوافز الهجر او عوامل الجذب
-1حرية ممارسة المهنة في بلاد المهجر وتوافر ما يحتاجه الباحث من استقرار والبحث العلمي من مواد مختلفة وأجهزة وجو علمي .
2-مستوى الدخول المرتفعة في الدول المتقدمة التي تدفع بالكفاءات العلمية العربية بالهجرة إلى الخارج لتحقيق مستوى معيشي لائق ومقبول لها ولأسرتها, وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض الدول العربية مثل الدول الخليجية تتوافر فيها دخول مرتفعة إلا أن الكفاءات تهاجر لأسباب أخرى, نذكر منها الحرية الأكاديمية والديمقراطية, وحرية الرأي والاهتمام بالباحث والبحث العلمي .
-3 التقدم العلمي والاستقرار السياسي والجو الديمقراطي وحرية الرأي.
-4 وجود آمال في استخدام المعدات الحديثة والمتطورة ومتابعة آخر التطورات في مختلف المجالات العلمية .
-5 التشجيع الذي تمنحه الدول المتقدمة للبحث والابتكار وتوفر المناخ الملائم للعمل والبحث .
النتائج
1- وجود علاقة ذات تأثير متبادل بين التنمية وهجرة الكفاءات العلمية، ففي حال استمرار عجز الدول العربية عن خلق الظروف الكفيلة بوقف هجرة كفاءاتها العلمية والفكرية إلى الخارج، فإن مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها ستظل معطلة ومتعثرة. وكلما تأخر تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية فسوف يؤدي ذلك إلى مزيد من هجرة الكفاءات. وحرمان الوطن العربي من الكفاءات والكوادر القادرة على تطويره.
2- من المؤسف أنه رغم تزايد هجرة الكفاءات العلمية العربية إلى الخارج, فإن البلدان العربية لم تقم إلا بالنذر اليسير لوقف هذه الهجرة, أو لاستقطاب الكفاءات العربية الموجودة في المهجر. وبعبارة أخرى, فإن الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية حتى الآن لم تجدِ نفعاً، ويستمر نزيف الأدمغة العربية إلى الخارج.
3- إن أحد أهم الاسباب التي تدفع الكفاءات العلمية العربية للهجرة هو عدم الاهتمام بالباحث العربي, وعدم توفر الحرية الأكاديمية, وعدم الاهتمام بالبحث العلمي وانخفاض المبالغ المخصصة للبحث العلمي, وهذا يؤدي إلى عدم توفر البيئة العلمية والاقتصادية الملائمة والمستلزمات الضرورية للباحث للقيام بالابحاث في بلده مما يدفعه للهجرة إلى الخارج للقيام بالبحث أو لاكمال بحثه.
التوصيات
1- يجب على الدول العربية الآن وقبل فوات الأوان، اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي المناسب لتحسين البيئة الاقتصادية والثقافية والعلمية، للمحافظة على الكفاءات العلمية العربية, وجذب الكفاءات الموجودة في الخارج.
2- زيادة حصة ميزانيات البحث العلمي والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي لتصبح مقاربة لمثيلاتها سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية. وهذا يساعد على تأمين البنية التحتية اللازمة للبحث العلمي.
3- زيادة الاهتمام بالباحث العربي، سواء من ناحية تحسين أوضاعه المادية ومستوى معيشته، وتأمين مستلزماته اللازمة كافة للقيام بالبحث العلمي وأكماله في بلده. أو من ناحية توفير الحد الأدنى من الاستقرار النفسي والذهني للباحثين ومنحهم حرية التحرك والتنقل والاتصال بمعزل عن العوامل السياسية.
4- من الآن وحتى تتمكن الدول العربية من جذب الكفاءات الموجودة في الخارج، لابد لها من اتخاذ بعض الإجراءات والخطوات التي تمكنها من الاستفادة من هذه الكفاءات، وذلك بدعوتهم إلى زيارة الوطن، وتقديم النصح والخبرات أثناء ذلك. وتنظيم عقد المؤتمرات والمحاضرات لجمعهم مع نظرائهم في الوطن العربي، لتوطيد العلاقات بنهم. مما ينتج عنه تبادل خبرات وفتح مجالات للتدريب والتعلم من الغير ونقل المزيد من الخبرات والعلم.
|
أخترنا لكم
الأكثر زيارة
|