علي البخيتي
الثلاثاء 15 ديسمبر 2015 الساعة 21:07
الأمير محمد بن سلمان والجيل الجديد في السعودية
علي البخيتي
ظهر ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المؤتمر الصحفي الأول الذي عقده بتاريخ 14 ديسمبر 2015م كشخصية قيادية من طراز رفيع، سريع البديهة، قوي الشخصية، محدد في إجاباته، وواضح فيها، لا يوجد في كلامه حشر أو انشاء أو عبارات زائدة كالتي تعودنا عليها من الكثير من الزعماء والسياسيين العرب، وهذا يؤكد أن قرار تعيينه ولياً لولي العهد لم يأتِ من فراغ.
 
أعترف وغيري الكثير كذلك سيعترفون -بعد مشاهدة مقطع الفيديو للمؤتمر الصحفي- أننا تأثرنا بالصورة النمطية التي رسمتها له بعض وسائل الاعلام التي تعتبر نفسها في مواجهة وصراع وعداء مع المملكة، ولأن ظهور الأمير على وسائل الاعلام اقتصر خلال المرحلة الماضية على الصور وبعض مقاطع الفيديو التي يمكن أن تُعد لتُظهره بشكل جيد أمام الجمهور، ترسخت تلك الصورة عند البعض، وبالأخص الذين لم يلتقوا بالأمير أو يتعرفوا عليه بشكل مباشر.
***
المؤتمر الصحفي للأمير يعد أول ظهور له على وسائل الاعلام، وكان ظهوراً مميزاً جداً لعدة أسباب، أولها أنه مؤتمر صحفي أجاب فيه على أسئلة الصحفيين وبشكل مباشر، وهذا حتماً يفرقُ كثيراً عن القاء كلمة مكتوبة أو حتى مرتجلة من خلف شاشة التلفزيون، أو حتى أمام الجماهير، فهناك الكثير من الخطباء المفوهين الذين سرعان ما ينفضحون في أول حوار تلفزيوني أو مؤتمر صحفي مباشر، وتظهر قدراتهم الحقيقية، ويقعون في الكثير من الأخطاء والتناقضات.
 
السبب الثاني أن ردوده على الأسئلة كانت حصيفة جداً، وأظهرت أننا أمام شخص لديها خبرة كبيرة وكأنه يتعامل مع الصحفيين منذ عدة سنوات، وليس أمام شاب أكمل الثلاثين من عمره قبل أشهر فقط، فمن خلال متابعتي الدقيقة للمؤتمر الصحفي ذُهلت من ردوده وحصافته وسرعة بديهته، لم يتردد، أو يتأتئ، أو حتى يفكر، بل على العكس كان يبدأ الإجابة في الكثير من الأحيان قبل أن يُنهي الصحفي سؤاله، وكأنه يقول للصحفي عرفت خلاصة السؤال واليك الإجابة قبل أن تُكمل سؤالك وتضيع علينا الوقت.
 
***
تعامله كان جيداً ومرناً وظهر متواضعاً وودوداً مع الصحفيين، لكنه في نفس الوقت ظهر قوياً في مواجهة أسئلتهم وقاطعاً في المعلومات التي يدلي بها، وأظهر القصور لدى بعض سائليه، سواء في معلوماتهم أو في فهمهم لماهية التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، وكأنه يقول لهم: لم تحضروا أنفسكم جيداً للمؤتمر الصحفي، وحتى لا يحسب كلامي مدحاً سأورد بعض النقاط التفصيلية لأدلل على ما ذكرت.
 
- كانت إجاباته أقصر من الأسئلة وتعطي معلومة لا تحليل، وبصيغة الجزم، وتظهر أن هناك إدراك ووعي كامل، وهدف واضح.
 
- عند سؤاله عن أن هناك عشر دول خارج التحالف ما تزال تدرس الانضمام اليه، قاطع السائل قائلاً "أكثر من عشر دول" وكررها مرتين، مضيف أن هذه الدول ليست خارج التحالف، إنما لديها إجراءات لكي تنظم اليه رسمياً، وهذه إجابة دبلوماسية ذكية جداً، لأنه اعتبر الكثير من الدول التي لم تنظم للتحالف جزء منه، وما يعيق انضمامها الإجراءات فقط، وهذا سيدفع الكثير من الدول –حتى التي لم يكن لديها نوايا للانضمام- للالتحاق بالتحالف لأن أبوابه مشرعة، والعدد غير محصور في عشر دول كما ورد في سؤال الصحفي، واجابة الأمير كذلك أعفته وبذكاء وحنكة سياسية من الدخول في أي مواجهة مع الدول التي لم تنضم، وترك باب التحالف مفتوح، بل وأعطى لهم العذر، والمزيد من الوقت لكي يفكروا.
 
- عند سؤاله عن مذاهب المجموعات الإرهابية التي سيستهدفها التحالف، سنية أو شيعية، أجاب وبشكل واضح وسريع، التحالف سيواجه أي منضمات إرهابية أياً كان تصنيفها، وهو بذلك يرد على السؤال الغير موفق للصحفي الذي يعطي انطباع أن الإرهاب مصدره الإسلام فقط، سواء الشيعي أو السني، بينما إجابة الأمير كانت حصيفة ودقيقة، ولم تساهم في الاعتراف بالمفهوم الغربي للإرهاب أو ترسيخه في الوعي العام على اعتبار مصدره الإسلام فقط.
 
- عند سؤاله عن احتمال استهداف المجموعات الإرهابية في سوريا والعراق أجاب وبدون تردد أن التحالف مقيد في حركته بالتنسيق مع الشرعية في تلك الأماكن ومع المجتمع الدولي، والمجتمع الدولي يعني الدول القوية، والقوانين والمواثيق الدولية كذلك، ولو أجاب بغير ذلك لكان هذا المؤتمر الصحفي سيفسر من البعض على أنه اعلان حرب على سوريا والعراق، وتجاوز بل واستعداء لدول لها تأثير ومصالح في المنطقة.
 
- عند مقارنة أحد الصحفيين بين التحالف ضد الارهاب والتحالف الذي يخوض حرباً في اليمن أجاب وبسرعة أن هذا تحالف غير ذلك التحالف، ولم يستغل الأمير التحالف الجديد في الحرب في اليمن لغير أغراضه التي شُكِل من أجلها، وهذا يدل على عدة أمور، أولها أن الهدف من التحالف محدد وواضح وهو الإرهاب، الأمر الآخر أن الأمير لا ينظر الى من يقاتلهم في اليمن على اعتبارهم إرهابيين مع أن حركة "أنصار الله" الحوثيين في قائمة المنظمات الارهابية لدى المملكة، كما أنه أبعد شبح اتهام التحالف بأنه تحالف سني قد سيستخدم كذلك في مواجهة حركات توصف بأنها شيعية تحت ستار مكافحة الإرهاب.